الأربعاء، 10 نوفمبر 2021

مقال [ موقف الإمام الشافعي من أبي حنيفة ]

كثيرا ما يتناقل الناس قولا منسوبا للإمام الشافعي :
الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. اهـ
‏وكنت أتعجب من هذه الكلمة ، لأنها لا تستقيم مع طريقة الشافعي وموقفه من مدرسة أبي حنيفة!
وحقيقة ..
 لم أجد هذا النقل إلا في كتب متأخرة وهذا أمر زاد ارتيابي!
وفي بحثي القاصر وجدت الأثر في مصدره الأصلي آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم ١٦١:
قال:
قال الربيع بن سليمان مرة أخرى: سمعت الشافعي يقول :الناس عيال على أهل العراق في الفقه. اهـ
‏وفي هذا النقل يستقيم الأمر ويظهر والله أعلم خطأ النقل المتقدم الذي ذكر فيه أبي حنيفة.
والعراق فيها سادات كل فن، يكفيك منها مدرسة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه التي ملأت الدنيا علما ..
‏فإذا سأل سائل : وما عنيت بكلامك حول موقف الشافعي من مدرسة أبي حنيفة؟
أقول : 
الشافعي رحمه الله كانت مدرسته مناكفة لمدرسة أبي حنيفة بشكل واضح ،
فإن قيل ما دليلك على ذلك؟
أقول :
قبل كل شيء فالحق يؤخذ من الأعلى، وما وجدته في كتب المتقدمين ثم وجدت خلافه فيمن تأخر عنهم ، فالحق لابد أن يكون عند السلف رضوان الله عليهم، وسأسوق لك من الأخبار ما أستدل به على ما ذهبت إليه، وغالبها أو كلها من كتاب آداب الشافعي لابن أبي حاتم .

أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن حسان، قال:
سمعت أحمد بن حنبل، قال: «كانت أقفيتنا أصحاب الحديث، في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع، حتى رأينا الشافعي رضي الله عنه، وكان أفقه الناس في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان يكفيه قليل الطلب في الحديث» [آداب الشافعي لابن أبي حاتم ٤٢]
هنا الإمام أحمد يقرر افتراق مدرسة أهل الحديث ومدرسة أبي حنيفة، ويقرر محورية الشافعي وعلمه في مدرسة أهل الحديث،  

قال الشافعي : أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ، ثم يقيس الكتاب كله عليها .اهـ ١٢٩
وقال: نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة، فإذا فيها مئة وثلاثون ورقة، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنة.
قال ابن أبي حاتم : لأن الأصل كان خطأ،فصارت الفروع ماضية على الخطأ..! . اهـ ١٣٠
وقال رحمه الله : صفحة ١٣٠
‏في أَول نقل حمل قوي من الشافعي على أبي حنيفة ..!
أنا عبد الرحمن، قال أبي: ثنا هارون بن سعيد الأيلي، قال: سمعت الشافعي يقول:
«ما أعلم أحدا وضع الكتب أدل على عوار قوله من أبي حنيفة»
أنا عبد الرحمن، ثنا أحمد بن سنان الواسطي، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول:
«ما أشبه رأي أبي حنيفة إلا بخيط سحارة، تمده هكذا فيجيء أصفر، وتمده هكذا فيجيء أخضر»
أخبرنا عبد الرحمن، ثنا أحمد بن سنان مرة أخرى، قال:
سمعت الشافعي يقول:
«ما أشبه أصحاب الرأي إلا بخيط سحارة، تمده هكذا فيجيء أصفر، وتمده هكذا فيجيء أخضر.»

وهذه مناظرة صفحة ١٥٥، وفيها اعترافات يسجلها بكل نزاهة محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة
‏تأمل فيها جيدا لأن فيها { وشهد شاهد من أهلها }
‏هذه المناظرة لا يمكن لغاوجي ولا لشيخه الكوثري تأويلها !
أنا أبو محمد عبد الرحمن، ثنا أبي، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، يقول:
" قلت لمحمد بن الحسن يوما، وذكر مالكا وأبا حنيفة، فقال لي محمد بن الحسن: ما كان ينبغي لصاحبنا أن يسكت يعني : أبا حنيفة، ولا لصاحبكم أن يفتي يريد : مالكا، قلت: نشدتك الله، أتعلم أن صاحبنا يعني مالكا كان عالما بكتاب الله؟
قال: اللهم نعم ".
قلت: فنشدتك الله، أتعلم أن صاحبنا كان عالما بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 
قال: اللهم نعم.
قلت: وكان عالماً باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 
قال: نعم.
قلت: أكان عاقلا؟ 
قال: لا.
قلت: فنشدتك الله، أتعلم أن صاحبك يعني أبا حنيفة، كان جاهلا بكتاب الله عز وجل؟
قال: نعم.
قلت: وكان جاهلا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهلا باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم.
قلت: أكان عاقلا؟
قال: نعم.
قلت: فتجتمع في صاحبنا ثلاث لا تصلح الفتيا إلا بها، ويخل واحدة، ويخطئ صاحبك ثلاثا، ويكون فيه واحدة، فتقول: لا ينبغي لصاحبكم أن يتكلم، ولا لصاحبنا أن يسكت؟!

وهناك أثر أيضا رواه الشافعي عن مالك كثير من الناس ينزله منزلة الثناء على أبي حنيفة وإنما عنى به مالك الذم كما فهمه ابن أبي حاتم رحمه الله، ورواية الشافعي له إقرار.
‏والذي فهمه أبو محمد  للأسف هو قول أكثر من واحد من السلف .

أنا أبو محمد، ثنا أبي، حدثنا ابن أبي سريج، قال:
سمعت الشافعي، يقول: " سمعت مالكا، وقيل له: أتعرف أبا حنيفة؟
فقال: نعم، ما ظنكم برجل، لو قال هذه السارية من ذهب، لقام دونها، حتى يجعلها من ذهب، وهي من خشب أو حجارة؟ ".
قال أبو محمد: يعني أنه كان يثبت على الخطأ ويحتج دونه، ولا يرجع إلى الصواب، إذا بان له .
أكتفي بهذا القدر، وهذا أعتبره مقال علمي مختصر يبين خطأ أثر مشهور،
ويوضح حقيقة موقف الشافعي من أبي حنيفة،
والذي هو خلاف ما يظن كثير من الناس ‏ومن لديه تعقيب فهلُمَّ،
قبل أن أفتح ملف موقف أحمد ومالك من أبي حنيفة أيضا مُستلا من كتب المتقدمين .
والحمد لله رب العالمين.


كتبه : الإثنين ٣ ربيع الثاني ١٤٤٣ هجري.
٨ / ١١ / ٢٠٢١ ميلادي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق