الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد
قال نور الدين عتر في تحقيقه لكتاب ( شرح علل الترمذي لابن رجب ) :
وذلك أننا يجب أن نفرق ونميز بين أمرين أدى عدم التمييز بينهما إلى الخلط والتطرف الذي أشرنا إليه من المعتزلة , حيث أطلقوا القول بخلق القرآن دون تمييز . وهذان الأمران هما :
أولا : الكلام النفسي الذي هو صفته تعالى , وهذا وصف قديم , لا يقول عاقل : إنه مخلوق , فضلا عن مؤمن فاضل .اهـ
قلت : حصر كلام الله بأنه نفسي قديم بدعة أشعرية جهمية
كلام نفسي بمعنى أنه يقوم في نفس الله ولا يكون بحرف وصوت والحروف والأصوات المسموعة والمكتوبة يصفونها بأنها : عبارة عن كلام الله .
قال السجزي (ت 444) رحمه الله في رسالته إلى أهل زبيد ص138: وقال الأشعري القرآن كلام الله سبحانه والسور والآي ليست بكلام الله سبحانه , وإنما هي عبارة عن كلام الله .اهـ
والعبارة عندهم مخلوقة !!
قال البيجوري الأشعري : ومذهب أهل السنة (أي الأشاعرة !) أن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق , وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلــــــــــــــوق.(جوهرة التوحيد ص94)
قال صاحب العقيدة النورية –أثناء ذكر ما وصفوا الله به- : وَالكَلاَمُ ( المُنَزَّهُ عَنِ الحَرْفِ، وَالصَّوْتِ ) ، وَالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ، وَالسُّكُوتِ؛ لاِسْتِلْزَامِ جَمِيعِ ذَلِكَ الحُدُوثَ. وَيَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَعْلُومَاتِهِ.
إذا كون القرآن الذي بين أيدينا مخلوق محل اتفاق بين الأشاعرة والمعتزلة
قال الجويني : فإن معنى قولهم-أي المعتزلة- هذه العبارات كلام الله : أنها خلقه،ونحن لا ننكر أنها خلق الله !.الإرشاد(ص/117).
قال الإمام عبد الله أبا بطين رحمه الله كما في الدرر السنية (3/231) : ... وإنما يقال الخلاف لفظي بين المعتزلة والأشاعرة , لأن المعتزلة يقولون : كلام الله مخلوق . والأشاعرة يقولون : ليس بمخلوق . والكلام عندهم المعنى – أي القائم بالذات – ويقولون : الحروف مخلوقة .
فقالت المعنزلة : لا خلاف بيننا وبينكم , لأن الكلام هو الحروف , فإذا أقررتم أن الحروف مخلوقة ارتفع النزاع , فيكون الخلاف بين الفريقين لفظي .اهـ
فإذا كان الخلاف لفظيا فإن ذم السلف للمعتزلة الجهمية في هذه المسألة منصب أيضا على الأشاعرة !!
قال العظيم ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (12/579) : ولهذا جهم الإمام أحمد وغيره من أنكر ذلك , قال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : إن أقواما يقولون : (( إن الله لا يتكلم بصوت )) . فقال : هؤلاء جهمية ؛ إنما يدورون على التعطيل .اهـ
قال بعدها : وكذلك (( البخاري )) ترجم في صحيحه بابا في قوله "حتى إذا فزع عن قلوبهم" بيَّنَ فيه الحجة على أن الله يتكلم بصوت .اهـ
وقال المحقق : الأمر الثاني : القرآن الذي هو قراءتنا , وكتابتنا وطبعنا لمصاحفه , وهذا الذي قال الإمام البخاري فيه : مخلوق , حيث قال : (( قراءتنا من أفعالنا , وأفعالنا مخلوقة )) .اهـ
قلت : أين قال البخاري : القرآن الذي هو (قراءتنا) , وكتابتنا وطبعنا لمصاحفه مخلوق ؟!.
سبحان مقسم الأفهام !
البخاري يقرر أن أفعالنا حركات ألسننا وصوت حلوقنامخلوقة , وأما القرآن فليس بمخلوق (( سواء كتب أو تُلِيَ أو حفظ )).
قَالَ رحمه الله في كتابه (خلق أفعال العباد) : سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: «إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ– البخاري - : " حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ، (( فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبَيَّنُ الْمُثَبَّتُ فِي الْمُصْحَفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ )) فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِخَلْقٍ ، قَالَ اللَّهُ: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} " وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: «فَأَمَّا الْأَوْعِيَةُ فَمَنْ يَشُكُّ فِي خَلْقِهَا؟» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} ، وَقَالَ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} «، فَذَكَرَ أَنَّهُ يُحْفَظُ وَيُسْطَرُ» . قَالَ: {وَمَا يَسْطُرُونَ} .اهـ
ومن الغريب سعي الأشاعرة إلى إلباس الإمام البخاري .... المتكلمين !! مع أنه منزه بعيد كل البعد عن أهل الكلام وأوضارهم , وكتاب التوحيد من صحيحه يشهد بذلك
بل قال بعضهم أن البخاري استفاد المسائل (( الكلامية )) أكثرها من الكرابيسي وابن كلاب !! – هكذا قال !! –
وهذا افتراء على عباد الله لا يرضاه الله وتغني حكايته في تكذيبه عن الرد عليه ولكن القوم يتمسكون بأصغر قشة – إن وجدوا - .
فبالله عليك كيف يكون الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الذي سارت الركبان بفضله وجلالة قدره مستفيدا آخذا من سقط خلق الله ابن كلاب والكرابيسي !!
وهذه الادعاءات ليس لها زمام ولا خطام وإنما هي قدح من عقول أصحابها , ولو كان الإمام البخاري كما قالوا –وحاشاه – لرأيت الأئمة أئمة أهل الحديث والسنة يطعنون عليه بذلك , ولا يبجلونه ويقدمونه في الحديث والسنة كما هو حاصل , إلا ما كان في الفتنة (فتنة اللفظ وما وقع بينه وبين الإمام محمد بن يحيى الذهلي) والحق فيها واضح ولله الحمد فقد صنف بعدها كتاب "خلق أفعال العباد" وذكر فيه اعتقادهوروى من الأحاديث و الآثار ما تشيب له نواصي الأشاعرة الجهمية .
ووما ورد في ذم الكرابيسي وابن كلاب :
قال الهروي في ذم الكلام 1215: أخبرني يحيى بن الفضيل , أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن بن نصر , حدثنا يعقوب بن إسحاق , سمعت عثمان بن سعيد يقول : ما خاض في هذا الباب أحد ممن كانوا يذكرون إلا سقط , فذكر الكرابيسي , فسقط حتى لا يذكر .. .الخ
1265- أخبرنا أحمد بن محمد بن العباس بن إسماعيل المقري , أخبرنا محمد بن عبدالله البيع , سمعت أبا سعيد عبدالرحمن بن محمد المقرئ , قال : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة , يقول : من نظر في كتبي المصنفة في العلم ظهر له وبان أن الكلابية لعنهم الله كذبة فيما يحكون عني مما هو خلاف أصلي وديانتي
1302- وسمعت عبدالواحد بن ياسين المؤدب أبا جعفر يقول : رأيت بابين قلعا من مدرسة أبي الطيب بأمره من بَيْتَي شابين حضرا أبا بكر بن فورك .
1345- أخبرت عن أحمد بن محمد بن الطاهر المعافري أبي العباس , قال : سمعت أبا عبدالله الحافظ ابن منده بأصبهان رحمه الله يقول : ليتق امرؤ , وليعتبر بمن تقدم ممن كان القول باللفظ مذهبه ومقالته , كيف خرج من الدنيا مهجورا مذموما مطرودا من المجالس والبلدان , لاعتقاده القبيح وقوله الشنيع المخالف لدين الله , مثل : (( الكرابيسي )) , والشواط , (( وابن كلاب )) , وابن الأشعري , وأمثالهم ممن كان الجدال والكلام طريقه في دين الله عز وجل .
قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/611) وحديث الكرابيسي يعز جدا وذلك أن أَحْمَد بن حنبل كَانَ يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ، وكان هو أيضا يتكلم فِي أَحْمَد، ( فتجنب الناس الأخذ عنه ) لهذا السبب.اهـ
أي أن الإمام أحمد لما تكلم فيه سقط
قال صاحب بحر الدم 1290 : الكرابيسي :.... وقال إسحاق بن إبراهيم: سمعته يقول: أخزى الله الكرابيسي، لا يجالس ولا يكلم، ولا تكتب كتبه، ولا تجالس من يجالسه.
وقال في رواية شاهين بن السميدع : الحسين الكرابيسي عندنا كافر.اهـ
وأخيرا
قال في الدرر الكامنة (6/230) : شرع المزي يقرأ كتاب (( خلق أفعال العباد للبخاري )) وفيه فصل في الرد على الجهمية فغضب بعض الفقهاء وقالوا نحن المقصودون بهذا فبلغ ذلك القاضي الشافعي يومئذ فأمر بسجنه فتوجه ابن تيمية وأخرجه من السجن فغضب النائب فأعيد ثم أفرج عنه وأمر النائب - وهو الأفرم - بأن ينادى بأن من يتكلم في العقائد يقتل !!!.
قلت : الفقهاء كانوا أشاعرة .. فتأمل !!
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد