الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد
فإن أصح طريق في معرفة مذهب إمام في مسألة معينة ، هي النظر في كتبه أو كتب أصحابه وتلاميذه المباشرين , ثم إذا وجدنا كلامه أو ما نقل عنه في كتبهم فمن أعظم الخطأ أن نعارض ذلك بمرويات عنه نقلها عنه متأخرون سواء من أصحابه فضلا عن غيرهم , وفي مسألة موقف الأئمة من أبي حنيفة النعمان تشعبت الآراء ,وكثرت الأبحاث في المسألة فارتأيت أن أسلك النهج الذي ذكرته آنفا في تسجيل مواقف الأئمة في هذا المقام من كتبهم أو كتب أصحابهم , وقد نشرت من قبل موقف الإمام الشافعي من أبي حنيفة
تجده في هذا الرابط
https://nwwaaf.blogspot.com/2021/11/blog-post.html
والآن في موقف الإمام أحمد من أبي حنيفة ..
لم أجد خير معين بعد الله للوصول إلى أقوال الإمام أحمد في هذه المسألة من كتاب ابنه الإمام عبدالله بن أحمد كتاب ( السنة ) ووقعت لي ولله الحمد نسخة بتحقيق الشيخ عادل آل حمدان فوجدتها رائعة وتحتوي على حواش متألقة ..
ولما فتحت الفهرس وجدت الإمام عبدالله يقول :
1- ما حفظت عن أبي رحمه الله وغيره من المشايخ رحمهم الله في أبي حنيفة .اهـ
فعلمت أنني أمام سيل من الآثار عن السلف ! , غير أني في هذا المقام لن يهمني كثيرا سوى أقوال الإمام أحمد رحمه الله .. بيد أن الآثار سبيلها أن تزيد نار اليقين تأججا ..
تأمل في عنوان البحث قول الإمام عن والده : رحمه الله .
وعن الأئمة : رحمهم الله .
أليس في هذا إشارة إلى أنه على الأقل آخر ما عهد من أبيه في أبي حنيفة ؟ مع علمنا بشدة اختصاص عبدالله بأبيه فلا أظن أن ما وجدته في كتب بعض المتأخرين قد يرقى أن يكون ناسخا لهذه الأقوال التي سينقلها الإمام رحمه الله عن والده ..
2- قال رحمه الله : وأخبرت عن إسحاق بن منصور الكوسج ، قال : قلت لأحمد بن حنبل يؤجر الرجل على بغض أبي حنيفة وأصحابه ؟ قال : إي والله .اهـ
قلت : أشار المحقق أن الأثر موجود في مسائل إسحاق 3441 ,وهذا نقل شديد جدا باتّ في المسألة !
وقال بعده رحمه الله
3- سألت أبي رحمه الله عن الرجل ، يريد أن يسأل ، عن الشيء ، من أمر دينه ما يبتلى به من الأيمان في الطلاق وغيره في حضرة قوم من أصحاب الرأي ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف الإسناد والقوي الإسناد فلمن يسأل ، أصحاب الرأي أو أصحاب الحديث على ما كان من قلة معرفتهم ؟ قال : يسأل أصحاب الحديث ولا يسأل أصحاب الرأي ، الضعيف الحديث خير من رأي أبي حنيفة
قلت : هنا الإمام رحمه الله يجعل ضعيف الحديث خير من رأي ، أو لنقل فقه أبي حنيفة , وهذا أيضا قول شديد جدا ..! , ولو دققت في المسألة أن أصحاب الحديث المذكورون ليس فقط عندهم ضعف تمييز بين الصحيح والضعيف بل هم أصالة ضعيفوا الحفظ ! , وكل هذا عند أحمد خير من رأي أبي حنيفة ..!
وقال رحمه الله
4-حدثني مهنا بن يحيى الشامي ، سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول : ما قول أبي حنيفة عندي والبعر إلا سواء .اهـ
لن أشرح هذه المسألة لوضوحها, ولكن أقول فقط أن الإمام يظهر مما سبق أنه مطلع إطلاعا قويا على فقه أبي حنيفة , وما كان ليطلق هذه الإطلاقات بجهل فيها وحاشاه ..!
والذي يقرأ مسائل أصحابه له يجد قوة معرفته بمذهب أبي حنيفة في ردوده عليه .
وقال رحمه الله في مسألة استتابة أبي حنيفة
5- سمعت أبي رحمه الله ، يقول : « أظن أنه استتيب في هذه الآية ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون) قال أبو حنيفة : هذا مخلوق ، فقالوا له : هذا كفر فاستتابوه.اهـ
وواقعة الإستتابة بعض الباحثين ينفيها وهنا الإمام عبدالله يرويها عن أبيه بلا واسطة .
وهذه الأقوال والآثار ولله الحمد أوقفتني على الحق في المسألة، إلا أنني أحببت الاستزادة ليزيد يقيني , فقلبت في بعض الكتب الأخرى من كتب الأصحاب , فوقفت على مسألة في كتاب ابن هانئ ,
قال : 1909 - سألت أبا عبد الله عن كتاب مالك، والشافعي، أحب إليك؟ أو كتب أبي حنيفة، وأبي يوسف؟
فقال: الشافعي أعجب إلي، هذا وإن كان وضع كتابًا، فهؤلاء يفتون بالحديث، وهذا يفتي بالرأي، فكم بين هذين؟!
وسئل عن أبي حنيفة، يروى عنه؟
قال: لا
وقال عبدالله في العلل ومعرفة الرجال :
3127 - وَسَأَلته عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق قَالَ : مَا أرى بِهِ بَأْسا وَلكنه جَالس أَصْحَاب الرَّأْي كَانَ جَالس أَبَا حنيفَة .
قلت : الإمام يطعن بالرجل بمجرد مجالسته لأبي حنيفة , وأظنه يعني بالمجالسة التعلم منه .
5329 - سَأَلت أبي عَن مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة صَاحب الرَّأْي قَالَ: لَا أروي عَنهُ شَيْئا.
5332 - سَأَلت أبي عَن أَسد بن عَمْرو قَالَ: كَانَ صَدُوقًا وَأَبُو يُوسُف صَدُوق وَلَكِن أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا يَنْبَغِي أَن يرْوى عَنْهُم شَيْء.
قلت : من الملاحظ في هذا الأثر والذي قبله أن الإمام أحمد يأمر بمجانبة الرواية عن أبي حنيفة وأصحابه حتى لو كانوا أهل صدق في الحديث ..! , وتعجبت من شدة المنافرة من الإمام أحمد لهؤلاء , ولما بحثت في هذه المسألة وجدت بعض العلماء أَوَّلَ هذا النقل عن أحمد تأويلات لا تحتملها صراحة الرواية !! , ووجدت لابن تيمية تصريح عجيب جدا وهو أن الكتب الستة ليس فيها راو حنفي, وهذا والله أعلم تطبيقا من مصنفيها لقضاء أحمد رحمه الله تعالى ..
وقال رحمه الله في رده على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (2/837) : وأكثر أهل الحديث طعنوا في أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه طعناً مشهوراً امتلأت به الكتب ، وبلغ الأمر بهم إلى أنهم لم يرووا عنهم في كتب الحديث شيئاً فلا ذكر لهم في الصحيحين والسنن .اهـ
وأخيرا هذا البحث حرصت فيه على أن أنقل صريح ما وقفت عليه في المسألة مما رواه تلاميذ أحمد المختصين به, وما لا يحتمل التأويل , وإلا فقد وقفت على آثار كثيرة غيرها عن الإمام رحمه الله والأمر كما يقال : يكفيني من القلادة ما أحاط بالعنق .
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد.
ربيع الثاني: ١٤ ربيع الثاني ١٤٤٣هـ
18/12/2021م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق