الأحد، 27 ديسمبر 2015

كلام جامع لمسائل مهمة في العذر بالجهل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

 

أما بعد

 

فقد خاض الناس في مسألة عذر الجاهل الواقع في الشرك الأكبربجهله بالحق تارة وبالباطل تارات , وهذا نقل محقق عن الإمام ابن القيم رحمه الله في هذه المسألة , سأسلط الضوء بعده على أهمالمسائل التي ذكرها في سياق كلام إن شاء الله :

 

قال الإمام المحقق ابن القيم رحمه الله في سِفره العظيم طريق الهجرتين :  والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم (وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل) فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين (وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا) فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عنادا أو جهلا وتقليدا لأهل العناد فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار وأن الأتباع مع متبوعهم وأنهم يتحاجون في النار وأن الأتباع يقولون :"ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون" -إلى أن قال- : فهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين اشتركوا في العذاب ولم يغن عنهم تقليدهم شيئا وأصرح من هذا قوله تعالى :"إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا"وصح عن النبي أنه قال :"من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل أوزار من اتبعه لا ينقص من أوزارهم شيئا" وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم إنما هو بمجرد اتباعهم وتقليدهم .

 

نعم لا بد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه والقسمان واقعان في الوجود فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان –ثم قال بعد أن بين الفرق بين العاجز المعرض والعاجز الطالب للحق- :  (((وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر (فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم) وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة))) وهو مبني على أربعة أصول :

 

أحدها أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى :"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" , وقال تعالى :"رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" –ثم قال- : وهذا كثير في القرآن يخبر أنه إنما يعذب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة وهو المذنب الذي يعترف بذنبه وقال تعالى :"وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين" , والظالم من عرف ماجاء به الرسول أو تمكن من معرفته بوجه وأما من لم يعرف ما جاء به الرسول وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم ؟

 

الأصل الثاني أن العذاب يستحق بسببين أحدهما الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها الثاني العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد , (وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل) .اهـ المراد

 

فتأمل رحمك الله الكلام السابق فإنه مهم جدا زلت به أقدام وصعب تحريره على أقوام والله الموفق للصواب . 

 

وتأمل تسميته أطفال المشركين ومجانينهم كفارا (ولو كان ثمة قسم ثالث بين الكفر والإسلام لكان هم أولى الناس به) ولو كان المشرك الجاهل يمنع جهله من وصفه بالكفر لكان أطفال المشركين ومجانينهم أولى الناس بذلك .

 

وتأمل في الأصل الثاني وصفه للجاهل بالكفر (مع عدم قيام الحجة عليه وعدم تمكنه من معرفتها) ولينتبه أن الوصف بالكفر في الدنيا لا يلزم منه دخول صاحبه في النار فأهل الفترة يوصفون بالكفر لكن في الآخرة يمتحنون ولهذا قال رحمه الله في الكلام السابق : وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر .. .(يعني أن من ظاهره الإسلام حكم بإسلامه ومن كان ظاهره الكفر حكم بكفره) .

 

وتأمل كلامه حول استحقاق العذاب كيف أن مستحقه هو:

1- من أقيمت عليه الحجة ,

2- الجاهل المتمكن من الحجة (لكنه أعرض عنها) . وأما الغير مستحق للعذاب فقط : هو الجاهل الغير متمكن من الحجة . والأقسام الثلاثة سماهم كفار .

 

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد

 

يوجد سؤال ؟؟؟

الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

التنبيه على أخطاء عقدية في كتاب تدريب الراوي (الأولى)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

 

أما بعد 

 

فقد وقفت على أخطاء عقدية في كتاب ((تدريب الراوي للسيوطي في مصطلح الحديث !)) وأستعين بالله في أنقضها وتبيان خللها في حلقات .

 

رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ بِرَحْمَتِكَ يا كَريم

 

قال السيوطي في مقدمة تدريب الراوي : قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري : المراد بالحديث في عرف الشرع ((ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم)) وكأنه أريد به مقابلة القرآن لأنه قديم .

 

قلت وصف القرآن الكريم بأنه قديم خلاف عقيدة أهل السنة ,وهو من عقيدة الأشاعرة الذي بنوه على نفي صفة الكلام الحقيقي عن الله سبحانه وتعالى , وجعلوا القرآن الذي في المصاحف والذي نقرؤه مخلوقا وجعلوا ما سمعه موسى عليه السلام عند الشجرة كلاما مخلوقا في الشجرة !.

 

وأما أهل السنة والجماعة فيثبتون لله سبحانه وتعالى صفة الكلام حقيقة كما أراد الله تعالى , ويستدلون بقوله تعالى "وكلم الله موسى تكليما" وقوله "وإذ نادى ربك موسى" وقوله "وكلمه ربه" وبما رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان" . 

 

وروى الآجري في الشريعة بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه  156قال : ( القرآن كلام الله عز وجل ) فلا تضربوه على آرائكم .

 

وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه 157 قال : يا هناه : تقرب إلى الله عز وجل ما استطعت , فإنك لست تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه .

 

وعن معاوية بن عمار , 158قال : سئل جعفر بن محمد رضي الله عنه عن القرآن : أخالق أم مخلوق ؟ فقال : ليس خالقا ولا مخلوقا , ولكنه كلام الله عز وجل .

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما , 311 قال : "قرآنا عربيا غير ذي عوج"  قال : ( غير مخلوق ).

 

((أثر ابن عباس رضي الله عنهما من صحيفة علي بن أبي طلحة في التفسير والله أعلم))

 

وروى الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتاب التوحيد بسنده عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه , أنه قال: ( إذا تكلم الله بالوحي ) سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا .

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره 276- لقوله تعالى "فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم" , عن قتادة قال : يعلمون أنه كلام الرحمن .

 

وقال ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (12/86) : بل كلام أحمد وغيره من الأئمة صريح في نقيض هذا أي نقيض قول أهل البدع- , وأن الله يتكلم بمشيئته وقدرته , وأنه لم يزل يتكلم إذا شاء , مع قولهم إن كلام الله غير مخلوق وأنه منه بدأ , ليس مخلوق ابتدأ من غيره , ونصوصهم بذلك  كثيرة معروفة في الكتب الثابتة عنهم .. .اهـ المراد 

 

وقال رحمه الله متحدثا عن الأشاعرة كما في مجموع الفتاوى (12/44) : ومنهم من قال : بل كلامه لا يكون إلا قائما به , وما كان قائما به لم يكن متعلقا بمشيئته وإرادته , (( بل لا يكون إلا قديم العين )) .. .اهـ المراد

 

تنبيه

ربما موَّه الأشاعرة وقالوا القرآن كلام الله غير مخلوق ويقصدون بذلك الكلام النفسي القائم بذات الله .الذي ليس له حرف ولا صوت 

 

قال السجزي رحمه الله في رسالته إلى أهل زبيد ص137 : وقال الأشعري : يجب وصف ( ذاته ) سبحانه بالكلام (( وليس ذلك بحرف ولا صوت )).

فنفى ما نفته المعتزلة وأثبت ما لا يعقل , فهو مظهر خلافهم موافق لهم في الأصل .اهـ

 

أي موافق للمعتزلة بالقول بخلق القرآن ونفي صفة الكلام الحقيقية بحرف وصوت عن الله سبحانه وتعالى .

 

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد

 

كتاب تدريب الراوي يدرس في بعض الجامعات والمعاهد وهذه الإدخالات الأشعرية قلَّ من ينتبه لها , فكتبت ما كتبته نصيحة لطلاب العلم , وأسأل الله أن يبارك فيها .