هذا الفصل تابع للمقال الثاني من سلسلة نقض بدع الأشاعرة الذي عزمنا فيه على بيان طوام هذا المذهب من خلالها مستلين لتلك الطوام من كتاب ( السيف الصقيل للسبكي )
فصل : في بيان تناقض الأشاعرة في مسألة تأثير الأسباب
فإنه مع نفي الأشاعرة لتأثير الأسباب بمسبباتها ثم اختلافهم بين مكفّر ومبدّع لمثبتها نجد أن غالبهم ناقض هذا الأصل –الذي أصّلوه- مناقضة موحشة فأثبت (( أسباباً )) متَّفَقٌ على تكفير أصحابها
فما هي تلك الأسباب ؟!
غالب متأخري الأشاعرة – بما فيهم سبكيّهم وكوثريُّهم – يعتقدون أن اللجوء إلى الأنبياء والأولياء الصالحين ودعاءهم والاستشفاع بهم من (( أعظم الأسباب )) الجالبة للخير الدافعة للشر
قال البوصيري في بردته غاليا في النبي صلى الله عليه وسلم :
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ..سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي .. عفواً وإلا فقل يا زلَّة القدم
وقصيدة البوصيري سارت بها ركبان الأشاعرة سيرا , وحازت على قصب السبق في الشرك بالله
وقال السبكي : اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين .اهـ (1)
ومن المتأخرين شمس الدين الرملي قال : الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين جائزة , وللرسل والأنبياء والأولياء والصالحين إغاثة بعد موتهم , لأن معجزة الأنبياء وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم ... .اهـ المراد (2)
وأيضا يوسف بن إسماعيل النبهاني 1350ت ألّف كتابه الأثيم "شواهد الحق في الاستغاثة بخير الخلق" واسم الكتاب وحده ينضح بالشرك !!
نقل في أول صفحة قول ابن حجر الهيتمي عن رسول الله أن : التوسل به حسن في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في الدنيا والآخرة .اهـ
ومن المعاصرين الكوثري لا رحمه الله حامل لواء التجهم والشرك حيث قال: وعلى التوسل بالأنبياء والصالحين أحياء وأمواتا جرت الأمة طبقة فطبقة .اهـ (3)
وفي ص153 كتب مقالا سمّاه "بناء مساجد على القبور والصلاة إليها" جوّز فيه تلك الوثنية
وقال : وأما من جهة المعقول فإن أمثال الإمام الفخر الرازي , والعلامة سعد الدين التافتزاني , والعلامة السيد الشريف الجرجاني , وغيرهم من كبار أئمة أصول الدين الذين يفزع إليهم في حل المشكلات في أصول الديانة , قد صرحوا بجواز التوسل بالأنبياء والصالحين أحياء وأمواتا .اهـ (4)
ومواقع القوم ومنتدياتهم على الشبكة تضجّ بمثل هذه الشركيات التي اتخذوها أسباباً
قال ابن تيمية رحمه الله : ... بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى إليهم فهذا مما لم يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين .اهـ (5)
وهذا الذي بلغ بهم فساد عقلهم أن أنكروا الأسباب الحقيقية فألحقوا بالمجانين , وأثبتوا الأسباب الوثنية فألحقوا بالمشركين
فصدق ابن القيم رحمه الله حين قال : من عصى الله بشيء عوقب بفساده .
ذيل
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن كل من دخل التعطيل في قلبه دخل معه الشرك فقال: ولهذا كلما كان الرجل أعظم تعطيلا كان أعظم شركا , ولا تجد معطلا نافيا إلا وفيه من الشرك بقدر ما فيه من التعطيل .اهـ (6)
وذكر رحمه الله سر تفشي الشرك بين أوساط المعطلة في كلام طويل ماتع
قال في خلاصته : وإذا عرف هذا فالرسل جاءوا بكمال الأمرين على أتم الوجوه فإنهم 1- ذكروا من صفات هذا الرب الذي تألهه القلوب وتطمئن إليه الأرواح ما يكون داعيا إلى محبته 2- وأمروا الناس من توحيده وعبادته وحده لا شريك له بما إذا فعلوه أحبهم عليه , فجاءت النفاة المعارضون للوحي بعقولهم وآرائهم فوقفوا في طريق الرسل وأتوا بما يضاد دعوتهم , فنفوا صفاته التي تَعرَّفَ بها إلى عباده , وجعلوا إثباتها تجسيما وتشبيها , و وصفوه من السلوب والنفي بما حال بين القلوب وبين معرفته , وأكدوا ذلك بأنه لا يحب ولا يحب ولا له وجه يراه العابدون المحبون له يوم القيامة فضلا عن أن يحصل لهم لذة هناك بالنظر إليه , ولا يكلمهم ولا يخاطبهم ولا يسلم عليهم من فوقهم , فلما استقر هذا النفي في قلوبهم تعلقت بغيره من أصناف المحبوبات فأشركت به في المحبة ولا بد , وكان أعظم الأسباب الحاملة لها على الشرك هو التعطيل فانظر إلى تلازم الشرك والتعطيل وتصادقهما وكونهما
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما ... بأسحم داج عوض لا نتفرق (7)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شفاء السقام ص357
(2) هامش الفتاوى الكبرى للهيتمي ( 4/382)
(3) مجموع مقالاته ص340
(4) المصدر السابق ص342
(5) مجموع الفتاوى (1/264)
(6) الصواعق المرسلة (3/1111)
(7) المصدر السابق (3/ 1355- 1356)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتممته بحمد الله يوم الخميس
24 محرم 1438
بعد صلاة الظهر