الأربعاء، 8 يونيو 2022

نقض افتئات ( أحمد السيد ) على السلف في موقفهم من الجهمية

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه 

 
أما بعد :
 
فقد قال المدعو أحمد السيد في كتابه ( كامل الصورة 130 ) : ومع امتداد الزمن وموت الصحابة وفتح البلدان والاختلاط بين الثقافات والأديان تأثر بعض المسلمين بواد علمية مستمدة من ثقافات أخرى أوجبت لهم موقفا من نصوص الاعتقاد وقضاياه بختلف كل الاختلاف عن منهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ونشأت فرق ومذاهب صار لها حضور بين الناس حتى تبنى بعض ملوك بني العباس شيئا من هذه المذاهب فانتصر لها بالقوة , وحارب العلماء الذين التزموا بالمنهج الأول , كأحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله , وقصته مع الابتلاء والسجن والضرب في ذلك معلومة .
 
والصواب في هذه الاختلافات ليس مع الجميع , بل مع من سار على نهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ورثوه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم , ولا يعني ذلك قطع الأواصر والعلائق بين المسلمين من جهة التعامل والتعاون خاصة مع استهداف المسلمين فيما هو أكبر من ذلك في أصول ديانتهم.
 
فالمطلوب في هذا الخلاف بيان الحق بدليله , ونصيحة المسلمين , وإرشادهم إلى الحق الذي كان عليه أوائل هذه الأمة , وبيان خطأ ما نشأ من التفرق بعد ذلك.اهـ
 
أقول : هذا الكلام خطير جدا, وفيه من قلة الفهم وتصور المسألة الشيء العظيم , وسأشرح الأمر من عدة أوجه :
 
فأولا : الصحابة رضوان الله عليهم الذين يريد منا أحمد السيد أن نتبعهم في هذا المقام لم تظهر فيهم مقالة الجهمية أصلا !! , فلا توجد إذا لهم نصوص في هذه المسألة !! فكيف نتبعهم بها !!
ثانيا : فإن قال قائل هلّا تحاكمتم أنتم والخلوف إلى موقف قريب من الصحابة يصلح أن يقاس عليه فنرى من منكم المحق؟, 
فأقول له : نعم .
بدعة الجهمية كفرية ينفي أصحابها صفات الله سبحانه وتعالى ويتأولونها بما يعطل حقائقها, فلما تأملنا البدع الكفرية التي ظهرت في الصحابة وجدنا أولها الرفض الذي منه تأليه علي رضي الله عنه, فما كان موقف الصحابة منه ؟
 
قال الدارمي في الرد على الجهمية : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِقَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ، فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ لَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَمَا حَرَّقْتُهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» زَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَبَلَغَ عَلِيًّا مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الْفَضْلِ، إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الْهَنَاتِ.
 
أقول :الزنادقة هنا هم الرافضة , وأقر ابن عباس عليا رضي الله عنه على قتلهم , ولم يقره على التحريق , فإن قال قائل : هذا في قوم مشركين.أقول : نعم والحكم يقع حتى على من تزندق بغيرها من الكفريات, فكثير من المرتدين الذين  قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه لم يكونوا مشركين ! وإنما تزندقوا بغيرها من الكفريات. فمناط الحكم هو التكفير.
 
قال الإمام الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية 252 : فرأينا هؤلاء الجهمية أفحش زندقة , وأظهر كفرا , وأقبح تأويلا لكتاب الله ورد صفاته فيما بلغنا عن هؤلاء الزنادقة الذين قتلهم علي رضي الله عنه وحرقهم بالنار.
فمضت السنة من علي وابن عباس رضي الله عنهما في قتل الزنادقة, لما أنها كفر عندهما.اهـ
 
 
ثالثا : ومما نستدل به أيضا على خطأ المدعو أحمد السيد وضعف علمه بأحوال الصحابة رضوان الله عليهم ما جرى بين عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وغيرهم من الصحابة مع القدرية نفاة العلم
 
قال مسلم في صحيحه : 1 - (8) حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ - وَهَذَا حَدِيثُهُ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ - أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ - فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ [ص:37]: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: «فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي»، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ «لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ».اهـ
 
قلت : فتأمل هنا : لم يقل عبدالله بن عمر حاوروهم , والأمر مباحثة ونصيحة ورفق بين التيارات الإسلامية !! ولم يسأل حتى عن الحجة قامت عليهم أم هي في الطريق ولم تصل ! بل كفرهم رأسا وتبرأ منهم .
قال الآجري في الشريعة :505-423 - وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ [ص:847]: أنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، وَبِهَا عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسْتُ فِي مَجْلِسٍ، فَذَكَرُوا الْقَدَرَ فَأَمْرَضُوا قَلْبِي فَأَتَيْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنِّي جَلَسْتُ مَجْلِسًا فَذَكَرُوا الْقَدَرَ فَأَمْرَضُوا قَلْبِي فَهَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْهُ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ: تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ لَعَذَّبَهُمْ حَيْثُ يُعَذِّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ أَوْسَعُ لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقْتَهُ مَا تُقُبِّلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَسَتَقْدُمُ الْمَدِينَةَ فَتَلْقَى بِهَا [ص:848] أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقُلْتُ لِأَبِي: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنِّي قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَجَلَسْتُ فِي مَجْلِسٍ فَذَكَرُوا الْقَدَرَ فَأَمْرَضُوا قَلْبِي، فَهَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ لَعَذَّبَهُمْ حِينَ يُعَذِّبُهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ أَوْسَعُ لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقْتَهُ مَا تُقُبِّلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدِّثْ أَخَاكَ» قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِمِثْلِ مَا حَدَّثَنِي بِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ.اهـ
 
قلت : نفي قبول النفقة لمن لم يؤمن بالقدر تكفير صريح , والراوي يتحدث عن وجود أناس يعتقدون تلك العقيدة , إذا الكلام تكفير لهم وتحذير منهم
 
وقال : 534- وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ طَاوُسٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَمَرَّ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَقَالَ قَائِلٌ لِطَاوُسٍ: هَذَا مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَعَدَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ؟ الْقَائِلُ مَا لَا يَعْلَمُ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَكْذِبُ عَلَيَّ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ فَعَدَلَ مَعَ طَاوُسٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ طَاوُسٌ يَا أَبَا عَبَّاسٍ الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي الْقَدَرِ؟ قَالَ: " أَرُونِي بَعْضَهَمْ، قُلْنَا: صَانِعٌ مَاذَا؟ قَالَ: إِذًا أَضَعُ يَدِي فِي رَأْسِهِ فَأَدُقُّ عُنُقَهُ.اهـ
 
قلت : أدق عنقه . أي : أقتله .
 
وقال 537 - وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ [ص:875]: نا شَرِيكٌ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ بِرَجُلٍ يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ قَالَ: " لَوْ أَتَيْتَنِي بِهِ لأسننت لَهُ وَجْهَهُ, أَوْ لَأَوْجَعْتُ رَأْسَهُ، لَا تُجَالِسُهُمْ وَلَا تُكَلِّمْهُمْ.اهـ
قلت : لا تكلمهم = نهي عن خوض الحوارات والنقاشات معهم !!وهذا بعينه ما دعا له السلف مع الجهمية
وقال ابن عباس رضي الله عنهما كما في الشريعة 539 أيضا : باب شرك فتح على أهل القبلة التكذيب بالقدر , فلا تجادلوهم فيجري شركهم على أيديكم .اهـ
وفي التحذير من القدرية وتكفيرهم والنهي عن خوض الخصومات والجدال معهم آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم , وهذا الموقف بعينه هو موقف السلف الذي يخطئه أحمد السيد مع الجهمية الزنادقة
 
وهذا مع أن الآثار المروية عن الصحابة في أهل القدر إنما هي في قوم نفوا صفة واحدة عن الله وهي العلم  !! , فأليس الذين شن عليهم السلف الغارة ممن يعطلون عامة الصفات وينفون العلو وصفة الكلام .أليسوا بأولى بهذا التكفير والاشتداد ؟؟؟
 
قال الإمام الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية 258 : فلم يظهر جهم وأصحابه في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار التابعين فيروى عنهم فيها أثر منصوص مسمى , ولو كانوا بين أظهرهم مظهرين آراءهم لقتلوا كما قتل علي رضي الله عنه الزنادقة التي ظهرت في عصره , ولقتلوا كما قتل أهل الردة.اهـ
 
وقال رحمه الله في النقض: وَالتَّجَهُّمُ عِنْدَنَا بَابٌ كَبِيرٌ مِنَ الزَّنْدَقَةِ يُسْتَتَابُ أَهْلُهُ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا، وَقَدْ رَوَيْنَا بَابَ قَتْلِهِمْ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ، حَتَّى لَقَدْ رَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتِتَابَةَ الْقَدَرِيَّةِ فَكَيْفَ الْجَهْمِيَّةُ وَالزَّنَادِقَةُ.
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أبي سُهَيْل قَالَ: "كُنْتُ أُسَايِرُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ,فَقَالَ لِي: مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: أَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ، فَقَالَ عُمَرُ: ذَلِكَ رَأْيِي" قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: قَالَ مَالك: "ذَلِك رَأْيِي".اهـ
 
فهنا الإمام الدارمي رحمه الله يقيس الجهمية على القدرية في الحكم, ويصرح أنهم أولى منهم به  !
 
وصرح الإمام الدارمي رحمه الله أن قتلهم وإكفارهم دليله من الكتاب والسنة 
 
قال رحمه الله في النقض 212 : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا حُجَّةٌ فِي قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ إِلَّا قَوْلَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَأَبِي تَوْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَنُظَرَائِهِمْ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، لَجَبَنَّا عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ بِقَوْلِ [ص:214] هَؤُلَاءِ، حَتَّى نَسْتَبْرِئَ ذَلِكَ عَمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَقْدَمُ، ((وَلَكِنَّا نُكَفِّرُهُمْ بِمَا تَأَوَّلْنَا فِيهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُوِّينَا فِيهِمْ مِنَ السُّنَّةِ))، وَبِمَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ الْوَاضِحِ الْمَشْهُورِ، الَّذِي يَعْقِلُهُ أَكْثَرُ الْعَوَّامِّ .اهـ وساق في كتابه الآيات والأحاديث الصريحة الدلالة على معانيها الظاهرة , والتي يكذب بها الجهمية .
 
ومما سبق يتبين أن السلف رضوان الله عليهم قد سلكوا مسلك الصحابة واستنوا بسنتهم رضي الله عنهم جميعا , وأن أحمد السيد قد غلط في افتئاته على الصالحين وتجرأ عليهم , قد غره التفاف شباب حوله يتقفرون العلم فظن أنه على شيء منه, فتجارى به غروره أن يخطئهم في أعظم المقامات التي أجمعوا عليها, ومن المعلوم عند أهل السنة والأثر أنهم لا يخالف طريقهم إلا مبتدع صاحب هوى نعوذ بالله من الخذلان .
 
خامسا : السلف رضوان الله عليهم في تلك الطبقات أجمعوا على موقف واحد من الجهمية : التكفير والهجران وترك الصلاة خلفهم . فهم بمجموعهم تواطؤوا على أمر ,إذا لا يكون هذا الأمر مجانبا للصواب البتة !! فهو إجماع منهم , ونص على ذلك الإجماع عدد منهم .
 
سادسا : أحمد بن حنبل رحمه الله كان له مركزيته في فتنة الجهمية وثباته بتوفيق الله كان له دور عظيم في إطفائها في ذلك الزمن , ولا يزال الناس قرنا بعد قرن يحمدون له ذلك , بل ويشبهونه بموقف أبي بكر الصديق مع أهل الردة . فهل أجيال العلماء التي تواطأت على الثناء على أحمد وموقفه من الجهمية وثباته مخالف للصواب , والحق مع أحمد السيد وخلوف السرورية؟ ولا يقل أحد أن المثني عليه هو ثباته دون موقفه منهم ,فثباته أصلا مبني على موقفه منهم الذي هو التكفير , والثناء سببه انكفاء شر الفتنة عن كثير من الناس بسبب أحمد بن حنبل رحمه الله , فيكون قد اأقذ الله به فئاما من الناس من حمأة التجهم
 
سابعا : هذا الكلام القبيح الذي سطره أحمد السيد يفتح الباب أمام المبطلين والمغرضين للطعن في مذاهب السلف في المبتدعة , فكل البدع لا تصل شناعتها لشناعة بدعة التجهم فإذا طعنا في موقف السلف وشدتهم منهم فلئن نطعن بشدتهم مع البدع التي هي أهون من التجهم من باب أولى, وهذا غلق لباب عظيم من أبواب حماية جناب السنة والتوحيد, وإسقاط لإجماع السلف (فلم يوجد بينهم خلاف في الموقف من الجهمية), وهذا أعظم من إسقاط إجماعهم في المسائل الفرعية الفقهية  ! , وبالتالي يبنى على هذا التهوين من إجماعهم في فهمهم للنصوص  , ولا يكون لكلام السلف في معنى كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هيبة = وهذا الهدف هو الذي يضج به قلب كل حداثي منتسب للإسلام .. كيف يسقط فهم السلف للنصوص, وبالتالي تصير النصوص كلأً مباحا كلّ يقول فيها بفهمه وهواه, ولا يوجد ما يحتكم إليه
 
ومن يعترض عليهم , يستدلون عليه بإسقاط أحمد السيد لفهم السلف (الذي بنوا عليه مواقفهم) في أشرف المقامات التي هي مقامات العقيدة  والتوحيد
 
تاسعا : هل يقول عاقل قد عرف الإسلام وأهله أن الحق قد يجانب أحمد بن حنبل ويوفق إليه أحمد السيد  !! 
 
هذا ما لا يكون 
 
فنسأل الله لأحمد السيد الهداية والسداد , وترك التعدي على الأئمة والافتئات عليهم فإنه لا يحمل على ذلك إلا الطغيان وقلة الحياء فنعيذه بالله منها
 
وأخيرا وصية لكل طالب للحق والنجاة
 
قال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف رحمه الله كما في الدرر  السنية 12/335 : 
أوصيك بتقوى الله , والتماس ما يقرب إليه , والتمسك بالأثر عند فساد الزمان , والعض عليه بالنواجذ ,وإن رغب عنه الأكثرون وهجره الأحقرون.اهـ
 
 
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد
 
تم كتابته يوم الأربعاء : ٩ ذو القعدة ١٤٤٣ هــ