الأربعاء، 8 يونيو 2022

نقض افتئات ( أحمد السيد ) على السلف في موقفهم من الجهمية

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه 

 
أما بعد :
 
فقد قال المدعو أحمد السيد في كتابه ( كامل الصورة 130 ) : ومع امتداد الزمن وموت الصحابة وفتح البلدان والاختلاط بين الثقافات والأديان تأثر بعض المسلمين بواد علمية مستمدة من ثقافات أخرى أوجبت لهم موقفا من نصوص الاعتقاد وقضاياه بختلف كل الاختلاف عن منهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ونشأت فرق ومذاهب صار لها حضور بين الناس حتى تبنى بعض ملوك بني العباس شيئا من هذه المذاهب فانتصر لها بالقوة , وحارب العلماء الذين التزموا بالمنهج الأول , كأحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله , وقصته مع الابتلاء والسجن والضرب في ذلك معلومة .
 
والصواب في هذه الاختلافات ليس مع الجميع , بل مع من سار على نهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ورثوه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم , ولا يعني ذلك قطع الأواصر والعلائق بين المسلمين من جهة التعامل والتعاون خاصة مع استهداف المسلمين فيما هو أكبر من ذلك في أصول ديانتهم.
 
فالمطلوب في هذا الخلاف بيان الحق بدليله , ونصيحة المسلمين , وإرشادهم إلى الحق الذي كان عليه أوائل هذه الأمة , وبيان خطأ ما نشأ من التفرق بعد ذلك.اهـ
 
أقول : هذا الكلام خطير جدا, وفيه من قلة الفهم وتصور المسألة الشيء العظيم , وسأشرح الأمر من عدة أوجه :
 
فأولا : الصحابة رضوان الله عليهم الذين يريد منا أحمد السيد أن نتبعهم في هذا المقام لم تظهر فيهم مقالة الجهمية أصلا !! , فلا توجد إذا لهم نصوص في هذه المسألة !! فكيف نتبعهم بها !!
ثانيا : فإن قال قائل هلّا تحاكمتم أنتم والخلوف إلى موقف قريب من الصحابة يصلح أن يقاس عليه فنرى من منكم المحق؟, 
فأقول له : نعم .
بدعة الجهمية كفرية ينفي أصحابها صفات الله سبحانه وتعالى ويتأولونها بما يعطل حقائقها, فلما تأملنا البدع الكفرية التي ظهرت في الصحابة وجدنا أولها الرفض الذي منه تأليه علي رضي الله عنه, فما كان موقف الصحابة منه ؟
 
قال الدارمي في الرد على الجهمية : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِقَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ، فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ لَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَمَا حَرَّقْتُهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» زَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَبَلَغَ عَلِيًّا مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الْفَضْلِ، إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الْهَنَاتِ.
 
أقول :الزنادقة هنا هم الرافضة , وأقر ابن عباس عليا رضي الله عنه على قتلهم , ولم يقره على التحريق , فإن قال قائل : هذا في قوم مشركين.أقول : نعم والحكم يقع حتى على من تزندق بغيرها من الكفريات, فكثير من المرتدين الذين  قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه لم يكونوا مشركين ! وإنما تزندقوا بغيرها من الكفريات. فمناط الحكم هو التكفير.
 
قال الإمام الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية 252 : فرأينا هؤلاء الجهمية أفحش زندقة , وأظهر كفرا , وأقبح تأويلا لكتاب الله ورد صفاته فيما بلغنا عن هؤلاء الزنادقة الذين قتلهم علي رضي الله عنه وحرقهم بالنار.
فمضت السنة من علي وابن عباس رضي الله عنهما في قتل الزنادقة, لما أنها كفر عندهما.اهـ
 
 
ثالثا : ومما نستدل به أيضا على خطأ المدعو أحمد السيد وضعف علمه بأحوال الصحابة رضوان الله عليهم ما جرى بين عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وغيرهم من الصحابة مع القدرية نفاة العلم
 
قال مسلم في صحيحه : 1 - (8) حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، ح وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ - وَهَذَا حَدِيثُهُ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ - أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ - فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ [ص:37]: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: «فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي»، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ «لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ».اهـ
 
قلت : فتأمل هنا : لم يقل عبدالله بن عمر حاوروهم , والأمر مباحثة ونصيحة ورفق بين التيارات الإسلامية !! ولم يسأل حتى عن الحجة قامت عليهم أم هي في الطريق ولم تصل ! بل كفرهم رأسا وتبرأ منهم .
قال الآجري في الشريعة :505-423 - وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ [ص:847]: أنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، وَبِهَا عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسْتُ فِي مَجْلِسٍ، فَذَكَرُوا الْقَدَرَ فَأَمْرَضُوا قَلْبِي فَأَتَيْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنِّي جَلَسْتُ مَجْلِسًا فَذَكَرُوا الْقَدَرَ فَأَمْرَضُوا قَلْبِي فَهَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْهُ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ: تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ لَعَذَّبَهُمْ حَيْثُ يُعَذِّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ أَوْسَعُ لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقْتَهُ مَا تُقُبِّلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَسَتَقْدُمُ الْمَدِينَةَ فَتَلْقَى بِهَا [ص:848] أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقُلْتُ لِأَبِي: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنِّي قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَجَلَسْتُ فِي مَجْلِسٍ فَذَكَرُوا الْقَدَرَ فَأَمْرَضُوا قَلْبِي، فَهَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ لَعَذَّبَهُمْ حِينَ يُعَذِّبُهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ أَوْسَعُ لَهُمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقْتَهُ مَا تُقُبِّلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدِّثْ أَخَاكَ» قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِمِثْلِ مَا حَدَّثَنِي بِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ.اهـ
 
قلت : نفي قبول النفقة لمن لم يؤمن بالقدر تكفير صريح , والراوي يتحدث عن وجود أناس يعتقدون تلك العقيدة , إذا الكلام تكفير لهم وتحذير منهم
 
وقال : 534- وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ طَاوُسٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَمَرَّ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَقَالَ قَائِلٌ لِطَاوُسٍ: هَذَا مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَعَدَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ؟ الْقَائِلُ مَا لَا يَعْلَمُ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَكْذِبُ عَلَيَّ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ فَعَدَلَ مَعَ طَاوُسٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ طَاوُسٌ يَا أَبَا عَبَّاسٍ الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي الْقَدَرِ؟ قَالَ: " أَرُونِي بَعْضَهَمْ، قُلْنَا: صَانِعٌ مَاذَا؟ قَالَ: إِذًا أَضَعُ يَدِي فِي رَأْسِهِ فَأَدُقُّ عُنُقَهُ.اهـ
 
قلت : أدق عنقه . أي : أقتله .
 
وقال 537 - وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ [ص:875]: نا شَرِيكٌ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ بِرَجُلٍ يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ قَالَ: " لَوْ أَتَيْتَنِي بِهِ لأسننت لَهُ وَجْهَهُ, أَوْ لَأَوْجَعْتُ رَأْسَهُ، لَا تُجَالِسُهُمْ وَلَا تُكَلِّمْهُمْ.اهـ
قلت : لا تكلمهم = نهي عن خوض الحوارات والنقاشات معهم !!وهذا بعينه ما دعا له السلف مع الجهمية
وقال ابن عباس رضي الله عنهما كما في الشريعة 539 أيضا : باب شرك فتح على أهل القبلة التكذيب بالقدر , فلا تجادلوهم فيجري شركهم على أيديكم .اهـ
وفي التحذير من القدرية وتكفيرهم والنهي عن خوض الخصومات والجدال معهم آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم , وهذا الموقف بعينه هو موقف السلف الذي يخطئه أحمد السيد مع الجهمية الزنادقة
 
وهذا مع أن الآثار المروية عن الصحابة في أهل القدر إنما هي في قوم نفوا صفة واحدة عن الله وهي العلم  !! , فأليس الذين شن عليهم السلف الغارة ممن يعطلون عامة الصفات وينفون العلو وصفة الكلام .أليسوا بأولى بهذا التكفير والاشتداد ؟؟؟
 
قال الإمام الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية 258 : فلم يظهر جهم وأصحابه في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار التابعين فيروى عنهم فيها أثر منصوص مسمى , ولو كانوا بين أظهرهم مظهرين آراءهم لقتلوا كما قتل علي رضي الله عنه الزنادقة التي ظهرت في عصره , ولقتلوا كما قتل أهل الردة.اهـ
 
وقال رحمه الله في النقض: وَالتَّجَهُّمُ عِنْدَنَا بَابٌ كَبِيرٌ مِنَ الزَّنْدَقَةِ يُسْتَتَابُ أَهْلُهُ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا، وَقَدْ رَوَيْنَا بَابَ قَتْلِهِمْ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ، حَتَّى لَقَدْ رَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتِتَابَةَ الْقَدَرِيَّةِ فَكَيْفَ الْجَهْمِيَّةُ وَالزَّنَادِقَةُ.
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أبي سُهَيْل قَالَ: "كُنْتُ أُسَايِرُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ,فَقَالَ لِي: مَا تَرَى فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ؟ فَقُلْتُ: أَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا عَرَضْتَهُمْ عَلَى السَّيْفِ، فَقَالَ عُمَرُ: ذَلِكَ رَأْيِي" قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: قَالَ مَالك: "ذَلِك رَأْيِي".اهـ
 
فهنا الإمام الدارمي رحمه الله يقيس الجهمية على القدرية في الحكم, ويصرح أنهم أولى منهم به  !
 
وصرح الإمام الدارمي رحمه الله أن قتلهم وإكفارهم دليله من الكتاب والسنة 
 
قال رحمه الله في النقض 212 : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا حُجَّةٌ فِي قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ إِلَّا قَوْلَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَأَبِي تَوْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَنُظَرَائِهِمْ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، لَجَبَنَّا عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ بِقَوْلِ [ص:214] هَؤُلَاءِ، حَتَّى نَسْتَبْرِئَ ذَلِكَ عَمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَقْدَمُ، ((وَلَكِنَّا نُكَفِّرُهُمْ بِمَا تَأَوَّلْنَا فِيهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُوِّينَا فِيهِمْ مِنَ السُّنَّةِ))، وَبِمَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ الْوَاضِحِ الْمَشْهُورِ، الَّذِي يَعْقِلُهُ أَكْثَرُ الْعَوَّامِّ .اهـ وساق في كتابه الآيات والأحاديث الصريحة الدلالة على معانيها الظاهرة , والتي يكذب بها الجهمية .
 
ومما سبق يتبين أن السلف رضوان الله عليهم قد سلكوا مسلك الصحابة واستنوا بسنتهم رضي الله عنهم جميعا , وأن أحمد السيد قد غلط في افتئاته على الصالحين وتجرأ عليهم , قد غره التفاف شباب حوله يتقفرون العلم فظن أنه على شيء منه, فتجارى به غروره أن يخطئهم في أعظم المقامات التي أجمعوا عليها, ومن المعلوم عند أهل السنة والأثر أنهم لا يخالف طريقهم إلا مبتدع صاحب هوى نعوذ بالله من الخذلان .
 
خامسا : السلف رضوان الله عليهم في تلك الطبقات أجمعوا على موقف واحد من الجهمية : التكفير والهجران وترك الصلاة خلفهم . فهم بمجموعهم تواطؤوا على أمر ,إذا لا يكون هذا الأمر مجانبا للصواب البتة !! فهو إجماع منهم , ونص على ذلك الإجماع عدد منهم .
 
سادسا : أحمد بن حنبل رحمه الله كان له مركزيته في فتنة الجهمية وثباته بتوفيق الله كان له دور عظيم في إطفائها في ذلك الزمن , ولا يزال الناس قرنا بعد قرن يحمدون له ذلك , بل ويشبهونه بموقف أبي بكر الصديق مع أهل الردة . فهل أجيال العلماء التي تواطأت على الثناء على أحمد وموقفه من الجهمية وثباته مخالف للصواب , والحق مع أحمد السيد وخلوف السرورية؟ ولا يقل أحد أن المثني عليه هو ثباته دون موقفه منهم ,فثباته أصلا مبني على موقفه منهم الذي هو التكفير , والثناء سببه انكفاء شر الفتنة عن كثير من الناس بسبب أحمد بن حنبل رحمه الله , فيكون قد اأقذ الله به فئاما من الناس من حمأة التجهم
 
سابعا : هذا الكلام القبيح الذي سطره أحمد السيد يفتح الباب أمام المبطلين والمغرضين للطعن في مذاهب السلف في المبتدعة , فكل البدع لا تصل شناعتها لشناعة بدعة التجهم فإذا طعنا في موقف السلف وشدتهم منهم فلئن نطعن بشدتهم مع البدع التي هي أهون من التجهم من باب أولى, وهذا غلق لباب عظيم من أبواب حماية جناب السنة والتوحيد, وإسقاط لإجماع السلف (فلم يوجد بينهم خلاف في الموقف من الجهمية), وهذا أعظم من إسقاط إجماعهم في المسائل الفرعية الفقهية  ! , وبالتالي يبنى على هذا التهوين من إجماعهم في فهمهم للنصوص  , ولا يكون لكلام السلف في معنى كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هيبة = وهذا الهدف هو الذي يضج به قلب كل حداثي منتسب للإسلام .. كيف يسقط فهم السلف للنصوص, وبالتالي تصير النصوص كلأً مباحا كلّ يقول فيها بفهمه وهواه, ولا يوجد ما يحتكم إليه
 
ومن يعترض عليهم , يستدلون عليه بإسقاط أحمد السيد لفهم السلف (الذي بنوا عليه مواقفهم) في أشرف المقامات التي هي مقامات العقيدة  والتوحيد
 
تاسعا : هل يقول عاقل قد عرف الإسلام وأهله أن الحق قد يجانب أحمد بن حنبل ويوفق إليه أحمد السيد  !! 
 
هذا ما لا يكون 
 
فنسأل الله لأحمد السيد الهداية والسداد , وترك التعدي على الأئمة والافتئات عليهم فإنه لا يحمل على ذلك إلا الطغيان وقلة الحياء فنعيذه بالله منها
 
وأخيرا وصية لكل طالب للحق والنجاة
 
قال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف رحمه الله كما في الدرر  السنية 12/335 : 
أوصيك بتقوى الله , والتماس ما يقرب إليه , والتمسك بالأثر عند فساد الزمان , والعض عليه بالنواجذ ,وإن رغب عنه الأكثرون وهجره الأحقرون.اهـ
 
 
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد
 
تم كتابته يوم الأربعاء : ٩ ذو القعدة ١٤٤٣ هــ
 

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

هل الإمام المجدد يكفر الأشاعرة ؟

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه 

 

أما بعد

 

فإن من المسائل التي كثر بها الأخذ والرد في زماننا مسألة كفر الأشاعرة  ..

 

وأنا كأي طالب علم تهمه عقيدته , ويهمه مذهبه السلفي قرأت في بعض هذه الردود ونظرت في أدلة كل فريق , ولكن قبل هذا قرأت في كتب الاعتقاد أن القائل بخلق القرآن كافر كفراً أكبر مخرج من الملة , وأن إجماع السلف على ذلك.

 

ثم لما نظرت في بعض عقائد الأشاعرة وجدتهم يقولون بخلق القرآن تصريحاً وتمويهاً بعض الأحيان  ..

 

وأيضا في مسألة علو الله على خلقه أجمع السلف على كفر منكر العلو كفراً أكبر .

 

والأشاعرة يصرحون بنفي علو الله على خلقه  ..!

 

فهجم على قلبي عند أول وهلة : بما أن السلف أجمعوا على كفر منكر العلو والقائل بخلق القرآن (أي منكر صفة الكلام) والأشاعرة نافون للعلو وصفة الكلام، إذاً الأشاعرة كفار  ..

 

إذاً : كيف أنفي عنهم الكفر في هذا المأزق ؟؟

 

وجدت أن المدافعين عن الأشاعرة ، النافون عنهم وصف الكفر يستدلون بكلام الإمام ابن تيمية رحمه الله : أنا لو قلت بقولكم لكفرت .اهـ

 

والحقيقة أنني أستغرب من هذا الاستدلال إذ أنه يصلح دليلا للقائلين بكفرهم (خاصة في مذهب التفريق بين الإطلاق والتعيين) فالشيخ يقرر أن مذهبهم كفري ، ولكنهم لا يكفرون لجهلهم  .. إذاً من يرتفع عنه الجهل منهم فهو كافر .

 

هذا ما يتبادر لذهني عند قراءة العبارة ..!

 

وأمر آخر .. وهو أنني أثناء قراءتي لرسائل الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله وقفت على كلام لابن تيمية رحمه الله يطلق على بعضهم وصف الكفر , ووجدت النقل في كتاب التسعينية 1/119

 

قال رحمه الله : فأغلظت لهم في الجواب، وقلت لهم بصوت رفيع (2): يا مبدلين (3) يا مرتدين (4) عن الشريعة يا زنادقة وكلامًا (1) آخر كثيرًا، ثم قمت وطلبت فتح الباب والعود إلى مكاني.اهـ 

 

فكأن الشيخ رحمه الله رأى أنه دام أن الحجة قامت عليهم في الخصومات الي وقعت بينه وبينهم إذاً هم كفار ((والله أعلم هذا الذي ظهر لي , وإلا فما معنى تكفيرهم هنا؟!)) 

 

من هذا النقل : ابن تيمية كفر بعض الأشاعرة إذاً هذه نقطة يجب على الباحث أن لا يتجاوزها دون نقاش , ولا أن يتعامى عنها  ..

 

وأثناء قراءتي لمجموع الدرر السنية وقفت على تصريح ناري في هذا السياق من الإمام المجدد رحمه الله يفهم منه فوق كون الأشاعرة كفرقة هم عند ابن تيمية كفار ,وأما التعيين عنده فعلى من قامت عليه الحجة.

 

قال الشيخ رحمه الله :  وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك، فهي أغلظ من هذا كله، ولو نقول بها لكَفَّرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم؛ فإنه صرح فيها بأن المُعيَن لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة.

فإن كان المُعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه: أن يفهم كلام الله ورسوله، مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يُعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن، مع قول الله: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أكنة أن يفقهوه} الأنعام 25، وقوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ} 1.

وإذا كان كلام الشيخ، ليس في الشرك والردة، بل في المسائل الجزئيات، سواء كانت من الأصول أو الفروع، ومعلوم أنهم يذكرون في كتبهم في مسائل الصفات، أو مسألة القرآن، أو مسألة الاستواء، أو غير ذلك، مذهب السلف، ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله، والذي درج عليه هو وأصحابه، ثم يذكرون مذهب الأشعري أو غيره، ويرجحونه، ويسبون من خالفه. اهـ  الدرر السنية 10/69

 

في آخر النقل صرح أن كلامه عن الأشاعرة , وحقا في كتب كثير منهم يصرحون بمذهب السلف ثم يخالفونه  ..! بحجج قبيحة جدا كقولهم الأنبياء جاؤوا بالتخييل , أو قول أحدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقر الصحابة على التجسيم !! والعياذ بالله 

 

وقول المجدد عن كلام شيخ الإسلام : ولو نقول بها لكفرنا ..إلخ 

 

هل معناه أن المجدد لا يأخذ بمذهب شيخ الإسلام في المسألة  .. يظهر لي ذلك والله أعلم.

 

ثم ذكر الشيخ كلام ابن تيمية الذي يُستدل به في هذا المقام , والذي يستعمله كثيراً نفو التكفير عن الأشعرية .

 

قال : وقال أيضا في أثناء كلامه على المتكلمين، ومن شاكلهم، لما ذكر عن أئمتهم شيئا من أنواع الردة، والكفر، قال رحمه الله: وهذا إذا كان في المقالات الخفية، فقد يقال إنه فيها مخطيء ضال، لم تقم عليه الحجة، التي يكفر صاحبها؛ لكن ذلك يقع في طوائف منهم، في الأمور الظاهرة، التي يعلم المشركون واليهود والنصارى، أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعِث بها، وكفر من خالفها، مثل: أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه، من النبيين والملائكة وغيرهم؛ فإن هذا أظهر شرائع الإسلام.

ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع، فكانوا مرتدين؛ وكثير منهم، تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة، وتارة يعود إليه مع مرض في قلبه ونفاق، والحكاية عنهم في ذلك مشهورة. وقد ذكر ابن قتيبة من ذلك طرفاً في أول مختلف الحديث؛ وأبلغ من ذلك: أن منهم من صنف في الردة، كما صنف الرازي في عبادة الكواكب، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين. هذا لفظه بحروفه.

فانظر كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية، وبين ما نحن فيه، في كفر المعين، وتأمل تكفيره رؤوسهم، فلاناً وفلاناً بأعيانهم، وردتهم ردة صريحة، وتأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام، مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة ..! .اهـ الدرر السنية 10/71

 

ذكرت أنني أشك بأن المجدد يذهب مذهب ابن تيمية في الحكم على الأشاعرة بناء على كلمته التي قالها .

وأيضاً كتب الأستاذ مشاري الشثري وفقه الله مقالا سماه : (معتمد مذهب الحنابلة في الحكم على الأشاعرة) 

https://drive.google.com/file/d/1ZUZz_huJOE590bfM_-IJHLsciWiSuSmI/view


ذكر فيه نقلاً قوياً جداً في المسألة عن المجد ابن تيمية يخالف فيه مذهب حفيده ولكني سأذكر النقل ضمن كلام الشيخ أبا بطين رحمه الله لأن شرحه وتعليقه خير من شرحي وتعليقي .

 

قال رحمه الله : فكلامه ظاهر: في التفرقة بين الأمور المكفرة الخفية، كالجهل ببعض الصفات ونحوها، فلا يكفر بها الجاهل، كقوله للجهمية: أنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وقال فيمن ارتكب بعض أنواع الشرك جهلا، لم يمكن تكفيرهم حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: لم يمكن تكفيرهم، لأنهم جهال، كما قال في المنكر لبعض الصفات جهلاً ؛ بل قال: لم يمكن تكفيرهم حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم ينتهوا، أو إن كانوا جهالاً ، مع أن قول الشيخ رحمه الله، في عدم تكفير الجهمية ونحوهم، خلاف المشهور في المذهب؛ فإن الصحيح من المذهب: تكفير المجتهد الداعي إلى القول بخلق القرآن، ونفي الرؤية ونحو ذلك.

قال المجد رحمه الله: الصحيح: أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية، فإنا نفسق المقلد فيها، كمن يقول بخلق القرآن، أو أن علم الله سبحانه مخلوق، أو أسماءه مخلوقة، أو أنه لا يُرى في الآخرة، أو يسُب الصحابة، أو أن الإيمان مجرد الإعتقاد، ونحو ذلك؛ فمن كان عالماً في شيءٍ من هذه البدع، يدعو إليه، ويناظر عليه، فهو محكوم بكفره، نص أحمد على ذلك في مواضع، انتهى.


فتبين: أن الصحيح من المذهب تكفيره، ولم يعذرهم بالجهل. اهـ[ الدرر السنية 10/356]

 

تأمل قول الشيخ عبدالله أبا بطين : فتبين: أن الصحيح من المذهب تكفيره، ولم يعذرهم بالجهل.اهـ

 

وهذا المذهب الذي أظن الإمام المجدد رحمه الله يتبناه والله أعلم .

 

وحقيقة: أنا خلال بحثي وقراءتي لم أجد الأئمة المتقدمين في مسألة خلق القرآن يفرقون بين الجاهل والعالم كما فرقوا في مسألة اللفظية والواقفة  ..!

 

والله الموفق للصواب.

 

يظهر أن المدافعين عن الأشعرية المحتجين بكلام ابن تيمية في مأزق شديد لو طبقوا كلام ابن تيمية وامتثلوا لإلزام المجدد رحمه الله تعالى فيه , ولو التزموه الله أعلم لصارت عندنا قائمة أسماء طويلة  ..

 

وأيضا عامتكم يجيزون التمذهب بأي مذهب من المذاهب الأربعة , وبعضهم ربما يوجب ذلك ويشدد على من خرج منها , أو اتبع ما نسميه فقه الدليل  .. 

 

إذاً من اتبع معتمد مذهب الحنابلة في هذه المسألة سيكون الإنكار عليه فيها أمر عجيب !! خاصة أن دعائم مذهبهم آثار سلفية صريحة  ..

 

وأخيراً ليت من يقرأ هذه الكلمات أن ينظر إليها نظرة شمولية لا أن يُبَتِّر أفكارها ثم يريد الرد عليها .

 

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد.

 

 

 

 الثلاثاء: ١٨ ربيع ثاني ١٤٤٣ ھ 

 ٢٣ نوفمبر ٢٠٢١ م

 

الجمعة، 19 نوفمبر 2021

موقف أحمد بن حنبل من أبي حنيفة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه 


أما بعد


فإن أصح طريق في معرفة مذهب إمام في مسألة معينة ، هي النظر في كتبه أو كتب أصحابه وتلاميذه المباشرين , ثم إذا وجدنا كلامه أو ما نقل عنه في كتبهم فمن أعظم الخطأ أن نعارض ذلك بمرويات عنه نقلها عنه متأخرون سواء من أصحابه فضلا عن غيرهم , وفي مسألة موقف الأئمة من أبي حنيفة النعمان تشعبت الآراء ,وكثرت الأبحاث في المسألة فارتأيت أن أسلك النهج الذي ذكرته آنفا في تسجيل مواقف الأئمة في هذا المقام من كتبهم أو كتب أصحابهم  , وقد نشرت من قبل موقف الإمام الشافعي من أبي حنيفة 


تجده في هذا الرابط


https://nwwaaf.blogspot.com/2021/11/blog-post.html


والآن في موقف الإمام أحمد من أبي حنيفة  ..


لم أجد خير معين بعد الله للوصول إلى أقوال الإمام أحمد في هذه المسألة من كتاب ابنه الإمام عبدالله بن أحمد كتاب ( السنة ) ووقعت لي ولله الحمد نسخة بتحقيق الشيخ عادل آل حمدان فوجدتها رائعة وتحتوي على حواش متألقة  ..


ولما فتحت الفهرس وجدت الإمام عبدالله يقول : 


1-  ما حفظت عن أبي رحمه الله وغيره من المشايخ رحمهم الله في أبي حنيفة .اهـ


فعلمت أنني أمام سيل من الآثار عن السلف ! , غير أني في هذا المقام لن يهمني كثيرا سوى أقوال الإمام أحمد رحمه الله .. بيد أن الآثار سبيلها أن تزيد نار اليقين تأججا  ..


تأمل في عنوان البحث قول الإمام عن والده : رحمه الله .

وعن الأئمة : رحمهم الله .


أليس في هذا إشارة إلى أنه على الأقل آخر ما عهد من أبيه في أبي حنيفة ؟ مع علمنا بشدة اختصاص عبدالله بأبيه فلا أظن أن ما وجدته في كتب بعض المتأخرين قد يرقى أن يكون ناسخا لهذه الأقوال التي سينقلها الإمام رحمه الله عن والده ..


2-  قال رحمه الله : وأخبرت عن إسحاق بن منصور الكوسج ، قال : قلت لأحمد بن حنبل يؤجر الرجل على بغض أبي حنيفة وأصحابه ؟ قال : إي والله .اهـ


قلت : أشار المحقق أن الأثر موجود في مسائل إسحاق 3441 ,وهذا نقل شديد جدا باتّ في المسألة  !


وقال بعده رحمه الله 


3-  سألت أبي رحمه الله عن الرجل ، يريد أن يسأل ، عن الشيء ، من أمر دينه ما يبتلى به من الأيمان في الطلاق وغيره في حضرة قوم من أصحاب الرأي ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف الإسناد والقوي الإسناد فلمن يسأل ، أصحاب الرأي أو أصحاب الحديث على ما كان من قلة معرفتهم ؟ قال : يسأل أصحاب الحديث ولا يسأل أصحاب الرأي ، الضعيف الحديث خير من رأي أبي حنيفة


قلت : هنا الإمام رحمه الله يجعل ضعيف الحديث خير من رأي ، أو لنقل فقه أبي حنيفة , وهذا أيضا قول شديد جدا ..! , ولو دققت في المسألة أن أصحاب الحديث المذكورون ليس فقط عندهم ضعف تمييز بين الصحيح والضعيف بل هم أصالة ضعيفوا الحفظ  ! , وكل هذا عند أحمد خير من رأي أبي حنيفة ..!


وقال رحمه الله 


4-حدثني مهنا بن يحيى الشامي ، سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول : ما قول أبي حنيفة عندي والبعر إلا سواء .اهـ


لن أشرح هذه المسألة لوضوحها, ولكن أقول فقط أن الإمام يظهر مما سبق أنه مطلع إطلاعا قويا على فقه أبي حنيفة , وما كان ليطلق هذه الإطلاقات بجهل فيها وحاشاه ..!

والذي يقرأ مسائل أصحابه له يجد قوة معرفته بمذهب أبي حنيفة في ردوده عليه  .



وقال رحمه الله في مسألة استتابة أبي حنيفة


5-  سمعت أبي رحمه الله ، يقول : « أظن أنه استتيب في هذه الآية ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون) قال أبو حنيفة : هذا مخلوق ، فقالوا له : هذا كفر فاستتابوه.اهـ


وواقعة الإستتابة بعض الباحثين ينفيها وهنا الإمام عبدالله يرويها عن أبيه بلا واسطة .


وهذه الأقوال والآثار ولله الحمد أوقفتني على الحق في المسألة، إلا أنني أحببت الاستزادة ليزيد يقيني , فقلبت في بعض الكتب الأخرى من كتب الأصحاب , فوقفت على مسألة في كتاب ابن هانئ , 


قال : 1909 - سألت أبا عبد الله عن كتاب مالك، والشافعي، أحب إليك؟ أو كتب أبي حنيفة، وأبي يوسف؟

فقال: الشافعي أعجب إلي، هذا وإن كان وضع كتابًا، فهؤلاء يفتون بالحديث، وهذا يفتي بالرأي، فكم بين هذين؟!

وسئل عن أبي حنيفة، يروى عنه؟

قال: لا



وقال عبدالله في العلل ومعرفة الرجال :


3127 - وَسَأَلته عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق قَالَ : مَا أرى بِهِ بَأْسا وَلكنه جَالس أَصْحَاب الرَّأْي كَانَ جَالس أَبَا حنيفَة .


قلت : الإمام يطعن بالرجل بمجرد مجالسته لأبي حنيفة , وأظنه يعني بالمجالسة التعلم منه .


5329 - سَأَلت أبي عَن مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة صَاحب الرَّأْي قَالَ: لَا أروي عَنهُ شَيْئا.


5332 - سَأَلت أبي عَن أَسد بن عَمْرو قَالَ: كَانَ صَدُوقًا وَأَبُو يُوسُف صَدُوق وَلَكِن أَصْحَاب أبي حنيفَة لَا يَنْبَغِي أَن يرْوى عَنْهُم شَيْء.


قلت : من الملاحظ في هذا الأثر والذي قبله أن الإمام أحمد يأمر بمجانبة الرواية عن أبي حنيفة وأصحابه حتى لو كانوا أهل صدق في الحديث  ..! , وتعجبت من شدة المنافرة من الإمام أحمد لهؤلاء , ولما بحثت في هذه المسألة وجدت بعض العلماء أَوَّلَ هذا النقل عن أحمد تأويلات لا تحتملها صراحة الرواية !! , ووجدت لابن تيمية تصريح عجيب جدا وهو أن الكتب الستة ليس فيها راو حنفي, وهذا والله أعلم تطبيقا من مصنفيها لقضاء أحمد رحمه الله تعالى  ..


وقال رحمه الله في رده على السبكي في مسألة تعليق الطلاق (2/837) : وأكثر أهل الحديث طعنوا في أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه طعناً مشهوراً امتلأت به الكتب ، وبلغ الأمر بهم إلى أنهم لم يرووا عنهم في كتب الحديث شيئاً فلا ذكر لهم في الصحيحين والسنن  .اهـ


وأخيرا هذا البحث حرصت فيه على أن أنقل صريح ما وقفت عليه في المسألة مما رواه تلاميذ أحمد المختصين به, وما لا يحتمل التأويل , وإلا فقد وقفت على آثار كثيرة غيرها عن الإمام رحمه الله والأمر كما يقال : يكفيني من القلادة ما أحاط بالعنق .


هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد.


ربيع الثاني: ١٤ ربيع الثاني ١٤٤٣هـ

18/12/2021م

الأربعاء، 10 نوفمبر 2021

مقال [ موقف الإمام الشافعي من أبي حنيفة ]

كثيرا ما يتناقل الناس قولا منسوبا للإمام الشافعي :
الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. اهـ
‏وكنت أتعجب من هذه الكلمة ، لأنها لا تستقيم مع طريقة الشافعي وموقفه من مدرسة أبي حنيفة!
وحقيقة ..
 لم أجد هذا النقل إلا في كتب متأخرة وهذا أمر زاد ارتيابي!
وفي بحثي القاصر وجدت الأثر في مصدره الأصلي آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم ١٦١:
قال:
قال الربيع بن سليمان مرة أخرى: سمعت الشافعي يقول :الناس عيال على أهل العراق في الفقه. اهـ
‏وفي هذا النقل يستقيم الأمر ويظهر والله أعلم خطأ النقل المتقدم الذي ذكر فيه أبي حنيفة.
والعراق فيها سادات كل فن، يكفيك منها مدرسة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه التي ملأت الدنيا علما ..
‏فإذا سأل سائل : وما عنيت بكلامك حول موقف الشافعي من مدرسة أبي حنيفة؟
أقول : 
الشافعي رحمه الله كانت مدرسته مناكفة لمدرسة أبي حنيفة بشكل واضح ،
فإن قيل ما دليلك على ذلك؟
أقول :
قبل كل شيء فالحق يؤخذ من الأعلى، وما وجدته في كتب المتقدمين ثم وجدت خلافه فيمن تأخر عنهم ، فالحق لابد أن يكون عند السلف رضوان الله عليهم، وسأسوق لك من الأخبار ما أستدل به على ما ذهبت إليه، وغالبها أو كلها من كتاب آداب الشافعي لابن أبي حاتم .

أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن حسان، قال:
سمعت أحمد بن حنبل، قال: «كانت أقفيتنا أصحاب الحديث، في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع، حتى رأينا الشافعي رضي الله عنه، وكان أفقه الناس في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان يكفيه قليل الطلب في الحديث» [آداب الشافعي لابن أبي حاتم ٤٢]
هنا الإمام أحمد يقرر افتراق مدرسة أهل الحديث ومدرسة أبي حنيفة، ويقرر محورية الشافعي وعلمه في مدرسة أهل الحديث،  

قال الشافعي : أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ، ثم يقيس الكتاب كله عليها .اهـ ١٢٩
وقال: نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة، فإذا فيها مئة وثلاثون ورقة، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنة.
قال ابن أبي حاتم : لأن الأصل كان خطأ،فصارت الفروع ماضية على الخطأ..! . اهـ ١٣٠
وقال رحمه الله : صفحة ١٣٠
‏في أَول نقل حمل قوي من الشافعي على أبي حنيفة ..!
أنا عبد الرحمن، قال أبي: ثنا هارون بن سعيد الأيلي، قال: سمعت الشافعي يقول:
«ما أعلم أحدا وضع الكتب أدل على عوار قوله من أبي حنيفة»
أنا عبد الرحمن، ثنا أحمد بن سنان الواسطي، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول:
«ما أشبه رأي أبي حنيفة إلا بخيط سحارة، تمده هكذا فيجيء أصفر، وتمده هكذا فيجيء أخضر»
أخبرنا عبد الرحمن، ثنا أحمد بن سنان مرة أخرى، قال:
سمعت الشافعي يقول:
«ما أشبه أصحاب الرأي إلا بخيط سحارة، تمده هكذا فيجيء أصفر، وتمده هكذا فيجيء أخضر.»

وهذه مناظرة صفحة ١٥٥، وفيها اعترافات يسجلها بكل نزاهة محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة
‏تأمل فيها جيدا لأن فيها { وشهد شاهد من أهلها }
‏هذه المناظرة لا يمكن لغاوجي ولا لشيخه الكوثري تأويلها !
أنا أبو محمد عبد الرحمن، ثنا أبي، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، يقول:
" قلت لمحمد بن الحسن يوما، وذكر مالكا وأبا حنيفة، فقال لي محمد بن الحسن: ما كان ينبغي لصاحبنا أن يسكت يعني : أبا حنيفة، ولا لصاحبكم أن يفتي يريد : مالكا، قلت: نشدتك الله، أتعلم أن صاحبنا يعني مالكا كان عالما بكتاب الله؟
قال: اللهم نعم ".
قلت: فنشدتك الله، أتعلم أن صاحبنا كان عالما بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 
قال: اللهم نعم.
قلت: وكان عالماً باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 
قال: نعم.
قلت: أكان عاقلا؟ 
قال: لا.
قلت: فنشدتك الله، أتعلم أن صاحبك يعني أبا حنيفة، كان جاهلا بكتاب الله عز وجل؟
قال: نعم.
قلت: وكان جاهلا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهلا باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم.
قلت: أكان عاقلا؟
قال: نعم.
قلت: فتجتمع في صاحبنا ثلاث لا تصلح الفتيا إلا بها، ويخل واحدة، ويخطئ صاحبك ثلاثا، ويكون فيه واحدة، فتقول: لا ينبغي لصاحبكم أن يتكلم، ولا لصاحبنا أن يسكت؟!

وهناك أثر أيضا رواه الشافعي عن مالك كثير من الناس ينزله منزلة الثناء على أبي حنيفة وإنما عنى به مالك الذم كما فهمه ابن أبي حاتم رحمه الله، ورواية الشافعي له إقرار.
‏والذي فهمه أبو محمد  للأسف هو قول أكثر من واحد من السلف .

أنا أبو محمد، ثنا أبي، حدثنا ابن أبي سريج، قال:
سمعت الشافعي، يقول: " سمعت مالكا، وقيل له: أتعرف أبا حنيفة؟
فقال: نعم، ما ظنكم برجل، لو قال هذه السارية من ذهب، لقام دونها، حتى يجعلها من ذهب، وهي من خشب أو حجارة؟ ".
قال أبو محمد: يعني أنه كان يثبت على الخطأ ويحتج دونه، ولا يرجع إلى الصواب، إذا بان له .
أكتفي بهذا القدر، وهذا أعتبره مقال علمي مختصر يبين خطأ أثر مشهور،
ويوضح حقيقة موقف الشافعي من أبي حنيفة،
والذي هو خلاف ما يظن كثير من الناس ‏ومن لديه تعقيب فهلُمَّ،
قبل أن أفتح ملف موقف أحمد ومالك من أبي حنيفة أيضا مُستلا من كتب المتقدمين .
والحمد لله رب العالمين.


كتبه : الإثنين ٣ ربيع الثاني ١٤٤٣ هجري.
٨ / ١١ / ٢٠٢١ ميلادي .

الأحد، 31 أكتوبر 2021

ضعف رواية "اقتلوا نعثلا فقد كفر" التي يستدل بها الرافضة

 قال الطبري في تاريخه (٤٥٨/٤) : تب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي أن الحسين بن نصر العطار، قال: حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار، قال: حدثنا سيف بن عمر، عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلم الحنفي قال: وحدثنا عمر بن سعد، عن أسد بن عبد الله، عمن أدرك من أهل العلم، إن عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها الى مكة، لقيها عبد بن أم كلاب- وهو عبد بن أبي سلمة، ينسب إلى أمه- فقالت له: مهيم؟ قال: قتلوا عثمان رضي الله عنه، فمكثوا ثمانيا، قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك! ردوني ردوني، فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه، فقال لها ابن أم كلاب: ولم؟ فو الله إن أول من أمال حرفه لأنت! ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر، قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول، فقال لها ابن أم كلاب:
فمنك البداء ومنك الغير ... ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام ... وقلت لنا إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله ... وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا ... ولم تنكف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرإ ... يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها ... وما من وفى مثل من قد غدر
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر، فسترت واجتمع إليها الناس، فقالت: يا ايها الناس، ان عثمان قتل مظلوما، وو الله لأطلبن بدمه.
قلت :هذه الرواية التي يطعن بها الرافضة على أم المؤمنين رضي الله عنها  موضوعة وفي سندها عدة علل: 
الأولى: سيف بن عمر التميمي، قال عنه أبو حاتم الرازي كما في الجرح والتعديل ١١٩٨: متروك الحديث، وقال عنه يحيى بن معين: ضعيف. اهـ 
وقال عنه ابن الجوزي في الموضوعات (٢٢٣/١): متهم بوضع الحديث. اهـ
والثانية: فيه عمر بن سعد البصري قاتل ريحانة رسول الله الحسين رضي الله عنه، سئل عنه يحيى بن معين كما في الجرح والتعديل (١١٢/٦) فقال: كيف يكون قاتل الحسين ثقة. اهـ 
وفيه نصر بن مزاحم، قال عنه أبو حاتم كما في الجرح والتعديل ٢١٤٣: واهي الحديث، متروك الحديث لا يكتب حديثه كان شبه عريف. اهـ
قال الجوزجاني في أحوال الرجال 109: كان زائغا عن الحق مائلا. اهـ
قال أبو الفتح محمد بن الحسين الحافظ كما في تاريخ بغداد (٣٨٢/١٥): نصر بن مزاحم غال في مذهبه، غير محمود في حديثه. اهـ
وقد نبه الخطيب أن مذهبه كان الرفض. 
والحديث في إسناده إبهام، حيث قال أسد بن عبد الله: حدثني بعض أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها… إلخ. وأسد هذا ليس له كبير رواية، ولم أجد من الأئمة من تكلم عنه، فحديث اجتمعت فيه هذه العلل أنى له أن يقبل.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد.

الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

بين الشيخ عبدالله السعد وبعض متأخري أهل الحديث

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

أما بعد

فقد قرأت كتاب "المفصل في شرح الموقظة" للشيخ عبدالله السعد واستفدت منه كثيرا , ولاحظت أثناء قراءتي أن الشيخ سدده الله كثيرا ما ينتقد طريقة المتأخرين في تعاطيهم مع علم العلل والحكم على الأحاديث , وقد جمعت في هذه الورقات انتقاداته لبعض أهل الحديث المتأخرين والمعاصرين من أجل المباحثة والفائدة عسى الله أن يفتح على قارئ المقال ما لم يفتحه على صاحبه ..

واعتمدت ترتيبهم كما قد ساقهم في الشرح , 

1- السيوطي 

قال الشيخ ص62 : فالسيوطي مثلا لا شك أن ما يصححه أو يحسنه من الأخبار فيه نظر , فقد يكون الحديث ضعيفا وتجده يقول : هو متواتر ! , وقد يكون الحديث باطلا وتجده يقول : هو صحيح ! , وقد وقع له ذلك لأنه لم يسِر على طريقة الأئمة المتقدمين , ولم يتنبه إلى منهجهم في التصحيح والتضعيف أو التعديل والتجريح , لذا فإنه يتوسع في تقوية الأخبار الضعيفة , فيعمد أحيانا إلى الإسناد الساقط في إسناده متروك- فيقوي به الخبر , فقد أتى له هذا الضعف من هذه الجهة .اهـ

وقال ص221 : لكن البعض مثل السيوطي كان مما يرد به في (اللآلئ المصنوعة) على ابن الجوزي في (الموضوعات) أنه يرد عليه بتقوية الأخبار من حيث إن هذا الخبر يشهد له هذا اللفظ , وهذه الجملة يشهد لها هذا اللفظ , وبهذا يصبح الخبر قويا , فهذا الذي استعمله السيوطي منهج ليس بصحيح .اهـ

2- النووي

قال ص63 : وهذا أبو زكريا النووي كان من كبر أهل العلم في زمانه , لكن تجد في بعض تصحيحاته ضعفا ونظرا , وذلك لأنه لا ينتبه إلى مسألة الشذوذ والعلة التي كان كبار الحفاظ ينتبهون لها , وهو يرجح دائما أن الخبر إذا وقع في إسناده خلاف في وصله وإرساله , يقول : إذا وصله ثقة لا يضره من خالفه وإن كان أكثر منه وأوثق ! , ولا شك أن هذا خطأ فإن الأكثر والأوثق هو المقدم .اهـ

, 4- السبكي وابن حجر :

قال ص81 : بل إن المعاصرين في زمن واحد يحصل بينهم اختلاف في المنهج , فمنهج شمس الدين ابن عبدالهادي يختلف كثيرا عن منهج تقي الدين السبكي كما يظهر هذا لمن نظر وقارن بين كتاب (الصارم المنكي) وكتاب (شفاء السقام) , وقد بينت ذلك في كلامي على حديث ابن عمر في شدّ الرحال , وكذلك عندما يقارن بين أحكام ابن عبدالهادي في كتابه (المحرر) وبين أحكام ابن حجر في (البلوغ) .اهـ يعني أن منهج ابن عبدالهادي الحنبلي أقوى من منهجهم وأشبه بمنهج السلف

5- ابن حزم 

قال ص135 : فتبين من هذه النقول أن أبا محمد ابن حزم لا يشترط في صحة الخبر ألا يكون شاذا ولا معللا , ولذا قد عاب فيما نقلته عنه- على المحدثين في تعليلهم للأخبار بالشذوذ أو الاختلاف , فهو يحكم على ظاهر الإسناد فحسب , فلو أن ثقة رفع الحديث أو وصله وخالفه من هو أوثق منه ولو كان جماعة- لحكم له ولم يحكم لهم , وهذا خلاف ما اشترطه المحدثون كما هو معلوم .اهـ

6- الحاكم أبو عبدالله

قال ص179 : فما يصححه على شرط البخاري ومسلم فيه نظر , فإن الأصح والأرجح ألا يحكم الواحد على حديث بأنه على شرط البخاري ومسلم وإن كان رجال إسناده هم رجال البخاري ومسلم ؛ والذي يدعونا إلى المنع من ذلك : هو أن الذي يحكم على حديث ما بأنه على شرط الشيخين جعل منزلته بمنزلة البخاري ومسلم ! , فليس كون الرجل قد خرّج له البخاري أو مسلم يقتضي أنه على شرطهما , لأنهما كثيرا ما يخرّجان للرجل مع اعتبار صفة معينة عن شيخه , ثم إنهما ينتقيان ما استقام من حديثه , خلافا لطريقة الحاكم في اعتباره كل رجل خرّجا له يكون حديثه على شرطهما و ولذل كثر ما يُنتقد على الحاكم .اهـ

وقال ص525 : وتصحيح الحاكم غالبا- لا يحتج به لأنه كثيرا ما يصحح الأحاديث على شرط الشيخين وهي باطلة , أو على شرط البخاري أو مسلم , وهيضعيفة ليست بصحيحة ! .اهـ

7 , 8- الشيخ الألباني والأرناؤوط 

قال ص223 : وكثير من المتأخرين لا ينتبه لهذا , فمثلا : الشيخ ناصر الدين الألباني والأرناؤوط وغيرهما ممن يسير على منهجهم وطريقتهم ينظرون في الأسانيد : هذا إسناد , وهذا إسناد , هذا ضعيف , وهذا ضعيف , ويغفلون عن أن هذه الأحاديث لها أصول صحيحة لم يأت فيها هذا الشيء , فلذلك تكون منكرة شاذة مردودة , ولا تصح أصلا بل باطلة , فهم يغفلون عن هذا الجانب .اهـ يعني أنه يجب أن يلاحظ إذا جاء حديث صحيح , وثم جاء حديث فيه ضعف بنفس متن الأول وزاد عليه , أن الزيادة لا تكون صحيحة بل شاذة 

9 , 10- أبو يعقوب الجوزجاني وابن حبان

قال ص459 : أما التفريق بين التحديث بما يؤيد بدعته فإنه لا يقبل وإذا لم يحدث بما يؤيد بدعته فإنه يقبل فممن قال هذا القول وشهره وتلقاه عنه المتأخرون : أبو يعقوب الجوزجاني ؛ وكان عنده شيء من النصب , فتكلم في جمع من أهل الكوفة وبعضهم من أساطين الرواية كالأعمش وأبي إسحاق , تكلم فيهم وكاد يردّ حديثهم , لكن قال : صادقون وضابطون لما حدثوا به .
فقال هذا القول وأخذه عنه جماعة من المتأخرين و وذهب ابن حبان إلى ما هو أعم من ذلك , فيردّ حديث الداعية ويقبل غير الداعية , لذا تراه في بعض الأحيان يضعف بعض الرواة الذين وصفوا بأنهم دعاة إلى بدعتهم كحريز بن عثمان الرحبي حيث ذكره في المجروحين , ونص على أنه كان داعية إلى بدعته وهي النصب , وهو ثقة مشهور .اهـ 

11- أبو الحسن علي بن القطان الفاسي 

قال ص527 : ... الراوي إذا لم يشتهر , ولكن روى بعض الأحاديث المستقيمة , فقد انقسم فيه أهل العلم على ثلاثة أقوال : ... الثاني : ردّ حديثه وأنه لا يقبل , وقد ذهب بعض المتأخرين وخصوصا أبا الحسن علي بن عبدالملك بن القطان الفاسي المتوفى سنة ثمان وعشرين وستمئة , فقد كان يرد حديث الراوي ولا يتوقف في رده , وهو في الغالب يصحح على ظاهر الإسناد , ولا يهتم بمسألة العلل والشذوذ والنكارة , على تشدد منه أحيانا في بعض الثقات المشاهير , كما تشدد في هشام بن عروة وغيره .اهـ وذكر الشيخ أن الصحيح قبول حديث من لم يشتهر وكانت أحاديثه مستقيمة 

هذا ما وقفت عليه من انتقادات الشيخ سدده الله .

وممن انتقدهم وليس لهم علاقة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الغزالي , فقال عند حديثه عن مسألة ملاحظة نكارة المتون ص27 : لكن ينبغي أن يتنبه إلى أمر : وهو أن الذي يفعل ذلك إنما هو العالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وليس أهل الأهواء والبدع الذين يردون كل ما يخالف عقولهم كالمعتزلة ومن سار على منهجهم في هذا العصر كمحمد الغزالي , فلا شك أن هذا أمر باطل وليس بصحيح .اهـ

والترابي , فقال ص152 : فليس المقصود أن كل خبر يخالف العقل الناقص لبعض الناس يكون مردودا مثل ما يفعله محمد الغزالي وحسن الترابي وأمثالهما , فليس المقصود هذا , وإنما المقصود بذلك أن يكون هذا الخبر غير مخالف لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وغير مخالف للعقل السليم وللفطرة المستقيمة , فلا يكون مما يستحيل في العقل قبوله .اهـ

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد