الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

تنبيه على خطأ لـ(د.عثمان) في مسائل الصفات !

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

 

أما بعد

 

فقد أرسل لي أحد الإخوة كلاما للدكتور عثمان الخميس سدده الله- وجدت فيه سقطة عظيمة لزم التنبيه عليها 

 

قال د.عثمان الخميس  أثناء حديثه عن صفات الله سبحانه - فالله سمى بعض عباده باسم (الملك) , وتسمى عز وجل باسم (الملك) ولكن ملك الله تعالى ليس كملك غيره , ولا يمكن أن يقارن بين ملك الله تعالى وملك غيره من المخلوقين, وهذا اشتراك في الاسم فقط , ولا يلزم من الاشتراك في اللفظ الاشتراك في المعنى والحقيقة .انتهى من كتاب (القواعد النافعة في أسماء الله وصفاته)

 

قلت : صفات الله عز وجل وصفات مخلوقاته بينها :

 

اختلاف من وجه

وتشابه (تواطؤ) من وجه آخر

 

تتشابه من حيث الاسم والمعنى , فمعنى صفة السمع لله نفس معنى صفة السمع للمخلوق وكذا البصر وغيرها من الصفات 

 

والاختلاف بين صفات الخالق والمخلوق يكمن في حقيقة الصفة وكيفيتها :

 

فسمع الله سبحانه وتعالى ليس له حد , يسع جميعالأصوات , وأما سمع المخلوق فهو محدود . وكذلك في صفة البصر , والقدرة والعلم , و...

 

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في الرسالة التدمرية : هكذا القول في جمع الصفات وكل ما تثبته من الأسماء والصفات : فلا بد أن يدل على قدر (تتواطأ) فيه المسميات ولولا ذلك لما فهم الخطاب، ولكن نعلم أن ما اختص الله به، وامتاز عن خلقه أعظم مما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال .انتهى

 

أي أن كل ما نثبته من الأسماء والصفات لله سبحانه وتعالى ويكون ثابتا للمخلوقين يوجد بينهما اتفاق من حيث الاسم والمعنى , ولولا هذا الاتفاق لما فهم الخطاب(القرآن) , ولكننا نعلم أن صفات الله سبحانه وتعالى أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال .

 

تتواطأ : أي تتفق في الاسم والمعنى .

 

وقال أـيضا رحمه الله في كلامه عن لفظ (الوجود) كما في مجموع الفتاوى (5/204) فاللفظ من الألفاظ المتواطئة ولكن بالإضافة يخص أحد المسميين ؛ والمسميان إذا اشتركا فيمسمى الوجود والذات والماهية لم يكن بينهما في الخارج أمر مشترك يكون زائدا على خصوصية كل واحد ((كما يظنه أرسطو وابن سينا والرازي وأمثالهم)) .. .اهـ

 

فلفظ الوجود يشترك كل شيء بمعناه , ولكن إذا أضيف اللفظ إلى معين صار مخصوصا به يتميز به عن غيره .(وهذا في كل الصفات)

 

ملاحظة : تمثيله باسم (الملك) مثال رائع في الرد على الكلام نفسه !!

 

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد

 

 

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

تجهم الأشاعرة في صفة الكلام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

 

أما بعد 

 

فقد زعمت الأشاعرة أنهم يثبتون لله تعالى عدة صفات , ومن جملة هذه الصفات صفة الكلام فأحببت أن أفرد لهذه الصفةمقالا موضحا حقيقة إثبات الأشاعرة لها.

 

يعتقد أهل السنة في كلام الله تعالى ما قاله الإمام اللالكائي رحمه الله , حيث قال : سياق ما دل من الآيات من كتاب الله تعالى وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة ، وأنه أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يتحدى به ، وأن يدعو الناس إليه ، وأنه القرآن على الحقيقة . متلو في المحاريب ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في صدور الرجال .اهـ (1)

 

 

و خالف الأشاعرة أهل السنة في صفة الكلام من جهتين ,الأولى: طريقة الإثبات , الثانية : معنى الصفة .

 

1- طريقة الإثبات :

 

أثبت الأشاعرة صفة الكلام بالأدلة العقلية وأما السمعية فهي تبعا لها أو استئناسا بها , واحتجوا على ذلك بقولهم : لو لم نعلم جواز كونه متكلما بالعقل لما علمنا إمكان إرساله رسله .

(أي أن إرسال الرسل يلزم منه أن يكون المرسِل متكلما , ولو جهلنا كونه متكلما عقلا للزم عدم إمكان إرسال الرسل وبالتالي تكذيبها) 

 

والجواب عن ذلك :

 

أولا : أن ما علم بالسمع وقوعه يكفي في إثباته الإمكان الذهني , وهو كونه غير معلوم الامتناع  , فلا يحتاج لإثباته أن يعلم وجوده بل يكفي العلم بإمكانه .


ثانيا : إمكان التكلم معلوم بأدنى نظر العقل , فإذا أمكن وصفه بأنه حي عليم قدير عُلِم أيضا إمكان اتصافه بالكلام لأن الكلام من الصفات المشروطة بالحياة وهي صفة كمال لا نقص فيها بوجه . (2)

 

 

2- معنى الصفة :

 

قالت الأشاعرة :إن الله تعالى تكلم في الأزل بكلام قائم في ذاته منزه عن الحرف والصوت , إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا , وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة , وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا .

 

والقرآن والتوراة والإنجيل عبارة عن كلام الله لا كلام الله حقيقة , وإن سمي بذلك مجازا.

 

أي أن جبريل عليه السلام (فهم) – لم يسمع - من الله معنىًمجردا قائما بنفس الله ثم عبر عنه , والمعبِّر مخلوق إذا المعبَّر عنه مخلوق .

 

قال البيجوري : ومذهب أهل السنة (أي الأشاعرة !) أن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلــــــــــــــوق.(جوهرة التوحيد ص94)

 

قال الرازي : إنه تعالى إذا أراد شيئا أو كره شيئا خلق هذه الأصوات المخصوصة في جسم من الأجسام لتدل هذه الأصوات على كونه تعالى مريدا لذلك الشيء المعين أو كارها له .(الأربعين ص177).

 

قال صاحب العقيدة النورية –أثناء ذكر ما وصفوا الله به- : وَالكَلاَمُ المُنَزَّهُ عَنِ الحَرْفِ، وَالصَّوْتِ، وَالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ، وَالسُّكُوتِ؛ لاِسْتِلْزَامِ جَمِيعِ ذَلِكَ الحُدُوثَ. وَيَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَعْلُومَاتِهِ. 

 

قال الجويني : فإن معنى قولهم-أي المعتزلة- هذه العبارات كلام الله : أنها خلقه،ونحن لا ننكر أنها خلق الله.الإرشاد(ص/117).

 

فلاحظ أخي القارئ أنهم شابهوا الجهمية والمعتزلة بالقول بخلق القرآن وإنكار صفة الكلام لله سبحانه , (وأما مفارقتهم الجهمية و المعتزلة بإثباتهم للكلام النفسي فهذه مسألة أخرى) , لأن المقصد هو إثبات أنه تعالى متكلم حقيقة بحرف وصوت خلافا لما ابتدعته الجهمية .

,  فهم إنما نفوا ما نفته الجهمية من كون الله متكلما حقا ثم أثبتوا كلاما بلا حرف ولا صوت , و أحد من الأمة قبل (خصومنا هؤلاء ما عرف قرآنا ينقري ولا يدخله الحرف والصوت , والأشعري أيضا لم يعرف ذلك وإنما حمله على ما قال التحير مع قلة الحياء)(3) .

 

ولتعلم أخي القارئ أن السلف كفروا الواقفة واللفظية :

 

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : والقرآن كلام الله , تكلم به ليس بمخلوق , ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر , ومن زعم أن القرآن كلام الله و وقف , ولم يقل ليس بمخلوق , فهو أخبث من قول الأول , ومن زعم أن ألفاظنا به , وتلاوتنا له مخلوقة , والقرآن كلام الله فهو جهمي , ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم .(4)

 

قال حرب الكرماني : والقرآن كلام الله , تكلم به , ليس بمخلوق , فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر , ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل : ليس بمخلوق , فهو أكفر من الأول , و أخبث قولا, ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة , والقرآن كلام الله , فهو جهمي مبتدع)

ثم قال : ومن لم يكفر هؤلاء القوم , والجهمية كلهم فهو مثلهم .

 

و مقالة اللفظية ليس فيها تصريح بخلق القرآن , إنما يقولون : ألفاظنا بالقرآن مخلوقة . , والواقفة كفروا لأنهم شكوا بأن القرآن هو كلام الله حقيقة

 

قال أبو نصر السجزي رحمه الله :  ومنكر القرآن العربي وأنه كلام الله كافر بإجماع الفقهاء ومثبت قرآن لا أوّل له ولا آخر كافر بإجماعهم . (5)

 

قال الإمام اللالكائي رحمه الله عن القرآن : ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن ، وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول ومربوب ، بل هو صفة من صفات ذاته ، لم يزل به متكلما ، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة .اه (6)

 

وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: وَهَذَا حَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا محَالة فهم زنادقة بِغَيْر شكّ فَإِنَّهُ لَا شكّ فِي أَنهم يظهرون تَعْظِيم الْمَصَاحِف إيهاما أَن فِيهَا الْقُرْآن ويعتقدون فِي الْبَاطِن أَنه لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْوَرق والمداد ويظهرون تَعْظِيم الْقُرْآن ويجتمعون لقرَاءَته فِي المحافل والأعرية ويعتقدون أَنه من تأليف جِبْرِيل وَعبارَته ويظهرون أَن مُوسَى سمع كَلَام الله من الله ثمَّ يَقُولُونَ لَيْسَ بِصَوْت".(7)

 

ومن هنا يُعلم شناعة قولهم وخطورته ؛ وغلط من يهون من شأن هذه المسألة ويقول بعدم أهمية إشغال الأمة بمثلها مع أنها انتشرت في كثير من الأمصار وقررت في كثير  من الجامعات 

 

والله المستعان !

هذا وصل اللهم على سيدنا محمد وسلم .


(1) شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة (2/43)

(2) مختصرا من شرح العقيدة الأصبهانية ص(469 , 470)

(3) السجزي رسالته إلى أهل زبيد ص110

(4) طبقات الحنابلة ج1 ص29

(5) السجزي رحمه الله رسالته إلى أهل زبيد ص107

(6) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/43)

(7) المناظرة على القرآن ص50

 

الأحد، 27 سبتمبر 2015

نفي الحكمة عند الإشاعرة

الحمد لله والصلة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

 

أما بعد

 

فإن من طوام الأشاعرة ومخازيهم قولهم أن الأماكن والأوقات والذوات والأفعال كلها عند الله سواسيَ , فالمؤمن التقي مثل مثل الكافر لافرق بينهم !! , وكذلك لا فرق بين ذات النبي وذات الشيطان !! , .. والشرك والتوحيد , والمعصية والطاعة عنده سيان !!

 

وأنه تعالى فرق بين هذه الأمور بالشرع فقط ! (لا لتفاضلها في ذاتها بل لمحض الإرادة فقط) .

 

وهنا كلام رائع من الإمام ابن القيم رحمه الله يبين فيه شناعة هذه العقيدة 

 

قال رحمه الله في زاد المعاد (1/30-31) فكل ما أضافه الرب تعالى إلى نفسه فله من المزية والاختصاص على غيره ما أوجب له الاصطفاء والاجتباء ثم يكسوه بهذه الإضافة تفضيلا آخر وتخصيصا وجلالة زائدا على ما كان له قبل الإضافة ولم يوفق لفهم هذا المعنى من سوى بين الأعيان والأفعال والأزمان والأماكن وزعم أنه لا مزية لشئ منها على شئ وإنما هو مجرد الترجيح بلا مرجح وهذا القول باطل بأكثر من أربعين وجها قد ذكرت في غير هذا الموضع ويكفي تصور هذا المذهب الباطل في فساده فإن مذهبا يقتضي أن تكون ذوات الرسل كذوات أعدائهم في الحقيقة وإنما التفضيل بأمر لا يرجع إلى اختصاص الذوات بصفات ومزايا لا تكون لغيرها وكذلك نفس البقاع واحدة بالذات ليس لبقعة على بقعة مزية البتة وإنما هو لما يقع فيها من الأعمال الصالحة فلا مزية لبقعة البيت والمسجد الحرام ومنى وعرفة والمشاعر على أي بقعة سميتها من الأرض وإنما التفضيل باعتبار أمر خارج عن البقعة لا يعود إليها ولا إلى وصف قائم بها والله سبحانه وتعالى قد رد هذا القول الباطل بقوله تعالى : { وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللهقال الله تعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } أي : ليس كل أحد أهلا ولا صالحا لتحمل رسالته بل لها محال مخصوصة لا تليق إلا بها ولا تصح إلا لها والله أعلم بهذه المحال منكم ولو كانت الذوات متساوية كما قال هؤلاء لم يكن في ذلك رد عليهم وكذلك قوله تعالى : { وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين }أي : هو سبحانه أعلم بمن يشكره على نعمته فيختصه بفضله ويمن عليه ممن لا يشكره فليس كل محل يصلح لشكره واحتمال منته والتخصيص بكرامته فذوات ما اختاره واصطفاه من الأعيان والأماكن والأشخاص وغيرها مشتملة على صفات وأمور قائمة بها ليس لغيرها ولأجلها اصطفاها الله وهو سبحانه الذي فضلها بتلك الصفات وخصها بالاختيار فهذا خلقه وهذا اختياره { وربك يخلق ما يشاء ويختار } , وما أبين بطلان رأي يقضي بأن مكان البيت الحرام مساو لسائر الأمكنة وذات الحجر الأسود مساوية لسائر حجارة الأرض وذات رسول الله صلى الله عليه و سلم مساوية لذات غيره وإنما التفضيل في ذلك بأمور خارجة عن الذات والصفات القائمة بها وهذه الأقاويل وأمثالها من الجنايات التي جناها المتكلمون على الشريعة ونسبوها إليها وهي بريئة منها وليس معهم أكثر من اشتراك الذوات في أمر عام وذلك لا يوجب تساويها في الحقيقة لأن المختلفات قد تشترك في أمر عام مع اختلافها في صفاتها النفسية وما سوى الله تعالى بين ذات المسك وذات البول أبدا ولا بين ذات الماء وذات النار أبدا والتفاوت البين بين الأمكنة الشريفة وأضدادها والذوات الفاضلة وأضدادها أعظم من هذا التفاوت بكثير فبين ذات موسى عليه السلام وذات فرعون من التفاوت أعظم مما بين المسك والرجيع وكذلك التفاوت بين نفس الكعبة وبين بيت السلطان أعظم من هذا التفاوت أيضا بكثير فكيف تجعل البقعتان سواء في الحقيقة والتفضيل باعتبار ما يقع هناك من العبادات و الأذكار والدعوات ؟ ! 

ولم نقصد استيفاء الرد على هذا المذهب المردود المرذولوإنما قصدنا تصويره وإلى اللبيب العادل العاقل التحاكم , ولا يعبأ الله وعباده بغيره شيئا والله سبحانه لا يخصص شيئا ولا يفضله ويرجحه إلا لمعنى يقتضي تخصيصه وتفضيله نعم هو معطي ذلك المرجح وواهبه فهو الذي خلقه ثم اختاره بعد خلقه وربك يخلق ما يشاء ويختار .اهـ

 

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد

 

 

 

السبت، 26 سبتمبر 2015

مقال: تجهم الأشاعرة في مسائل الإيمان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ,,

 

أما بعد 

 

قال تعالى "فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون, وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم"

 

قال العماد ابن كثير رحمه الله : وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد .(1)

 

و قال النبي صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من شعب الإيمان" .

 

جمع هذا الحديث بين أركان الإيمان الثلاثة : فدليل النطق باللسان : "قول: لا إله إلا الله " , ودليل عمل الجوارح :"إماطة الأذى عن الطريق" , ودليل عمل القلب : "والحياء شعبة من شعب الإيمان" .

 

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: فأشار إلى أن خصال الإيمان منها ما هو قول باللسان ومنها ما هو عمل بالجوارح ومنها ما هو قائم بالقلب ولم يزد في شيء من هذه الروايات على هذه الخصال اهـ (2)

 

قال الإمام الآجري رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين : أن الإيمان واجب على جميع الخلق , وهو تصديق القلب , وإقرار باللسان وعمل بالجوارح .(3)

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله : ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل , قول القلب واللسان , وعمل القلب واللسان والجوارح , وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . (العقيدة الواسطية )

 

وخالف الجهميةُ أهلَ السنةِ في مسائل الإيمان بأن حصروا صحة الإيمان من عدمها بالمعرفة في القلب فقط , فمن عرف الله فهو المؤمن , وإن لم يعمل ولم يتكلم , بل حتى لو أظهر الكفر , والكفر عندهم هو الجهل بالرب سبحانه فقط (فمن دلَّ الشرع على كفره إنما دل على عدم علم قلبه بالله) .

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله حاكيا قولهم : وزعم جهم ومن وافقه أنه يكون مؤمناً في الباطن وأن مجرد معرفة القلبوتصديقه يكون إيماناً يوجب الثواب يوم القيامة بلا قول ولا عمل ظاهر.. . (5)

 

ولازم قول الجهمية أن "إيمان إبليس وإيمان أبي بكر واحد , قال أبو بكر : يارب , وقال إبليس : يارب" . 

 

فكلاهما عرف الله في قلبه .

 

وإيمان علماء بني إسرائيل , قال تعالى عنهم :"يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" أي يعرفون الرسول .

وإيمان قوم فرعون , قال تعالى عنهم :"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم"

 

 

لكن الإيمان الحقيقي هو الإيمان الذي يستلزم المحبة والطاعة, وهو الذي إذا وقر في القلب ظهر أثره على الجوارح , وهذا هو الفارق بين إبليس وأبي بكر الصديق رضي الله عنه . 

 

وعند السلف (صاحب هذه المقالة – الإيمان هو المعرفة في القلب - كافر) .

 

قال الخلال في السنة :

974 - أَخْبَرَنِي حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ، قَالَ: الرَّجُلُ يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا؟ قَالَ: «هُوَ كَافِرٌ حَقًّا»

 

1290 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ عَالِمٌ، فَهُوَ جَاهِلٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَهُوَ فِي النَّارِ " *

 

قال  حرب بن إسماعيل  رحمه الله : حدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق الجزري , قال : سمعت وكيعا , قال : كانت المرجئة تقول : الإيمان قول .

فجاءت الجهمية , فقالت : الإيمان معرفة 

قال عبدالله : وحدثني إسحاق بن حكيم أن وكيعا قال : وهذا عندنا كفر .

 

قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله حاكيا مذهب الجهمية : قالوا : الإيمان معرفة بالقلوب بالله وحده , وإن لم يكن هناك قول ولا عمل , وهذا منسلخ عندنا من قول أهل الملة الحنفية . (6)

 

وقد وافق الأشاعرة الجهمية في مسائل الإيمان : 

 

قال الباقلاني في الإنصاف ص33 : وأن يعلم أن الإيمان بالله عزَّ و وجل هوالتصديق بالقلب".. 

وقال صاحب الجوهرة ص67
وفسر الإيمان بالتصديق............... والنطق فيه الخلف بالتحقيق

 

قال الجويني الإرشاد ص397 : والمرضي عندنا أن حقيقة الإيمان التصديق بالله تعالى , فالمؤمن بالله من صدقه , ثم التصديق على التحقيق كلام النفس , ولكن لايثبت إلا مع العلم .

 

قال أبو نصر السجزي رحمه الله : :" ويقولون -يعني الأشاعرة-: الإِيمان: التصديق، وعلى أصلهم أن من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو مؤمن، (لأمرين):

أحدهما: أن أصل الإيمان عندهم المعرفة كما قال جهم.

الثاني: أن الكلام معنى في النفس فهو إذا صدق بقلبه فقد تكلم على أصلهم به".(7)

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وعند الجهمية الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه هذا قول جهم والصالحي والأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه .(8)

 

وقال : وأبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان ،مع أنه نصر المشهور عن أهل السنة أنه : يستثني في الإيمان … وهو دائماً ينصر – في المسائل التي فيها النـزاع بين أهل الحديث وغيرهم – قول أهل الحديث ، لكنهُ لم يكن خبيراً بمآخذهم ، فينصره على مايراه هو من الأصول التي تلقَّاها عن غيرهم ، فيقع في ذلك من التناقض ما ينكره هؤلاء وهؤلاء ، كما فعل في مسألة الإيمان نصرَ فيها قول جهم مع نصره للاستثناء(9) ولهذا خالفهُ كثير من أصحابه في الاستثناء واتَّبعه أكثر أصحابه على نصر قول جهم في ذلك ، ومن لم يقف إلا على كُتُب الكلام ولم يعرف ما قاله السلف وأئمة السنة في هذا الباب ، فيظن أن ما ذكروه هو قول أهل السنة وهو قول لم يقله أحد من أئمة السنة ، بل قد كفر أحمد بن حنبل ووكيع وغيرهما من قال بقول جهم في الإيمان الذي نصره الأشعري وهو عندهم شَرٌّ من قول المرجئة .. .(9)

قال الشيخ عبدالله أبا بطين رحمه الله : مذهب الأشاعرة أن الإيمان مجرد التصديق ولا يدخلون فيه أعمال الجوارح .. وقد كفر جماعة من العلماء من أخرج العمل عن الإيمان .(10)

 

ومما سبق يتبين أن خطورة مخالفة الأشاعرة لأهل السنة لا تنحصر فقط في الأسماء والصفات كما هو شائع عند بعض طلاب العلم ! بل أيضا في الإيمان وغيرها من المسائل التي سأذكرها فيما بعد إن شاء الله- .

 

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد .



(1) تفسير ابن كثير (4/239)

(2) شرح صحيح البخاري (1/35)

(3) الشريعة ص120 .

(4) مختصر فتاوى شيخ الإسلام ص133 .بتصرف

(5) مجموع الفتاوى (14/ 121) .

(6) الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام ص46.

(7) الرد على منكر الحرف والصوت ص178 .

(8) منهاج السنة 5/287 .

(9) وافقوا أهل السنة في الاستثناء في الإيمان ولكن لهم مآخذ أخرى فيها أظر مجموع الفتاوى (7\509-510)

(10) مجموع الفتاوى لابن تيمية (7 / 120 – 121)

(11) الدرر السنية ج1 ص364 .

 


الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

التعقيبات على مذكرة الدكتور : عبدالعزيز الأيوب في العقيدة


كتبه : نواف الشمري السلفي

 



الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد:

فقد وقفت على مذكرة في العقيدة للدكتور عبدالعزيز بن رشيد الأيوب -هداه الله- المدرس في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي , وقد احتوت هذه المذكرة على العقيدة الأشعرية الصرفة التي طالما حذر منها علماء أهل السنة , وكانت هي ما قرره الدكتور على طلابه في المعهد التطبيقي كمنهج دراسي .

 

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز :"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"

 

وروى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم تدعنه فلا يستجاب لكم" .

 

فرأيت أنه من المتحتم علي أن أكتب نصيحة لإخواني –الذين ابتلوا بدراسة هذه المذكرة- ثم للدكتور هداه الله أبين فيها ما حوته المذكرة من طوام وأنقضها –بعون الله- , دفاعا عن العقيدة السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة , فإن تبليغ سنة النبي صلى الله عليه وسلموالدفاع عنها من أعظم الجهاد .

 

قال ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام ص415 : وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو، ولأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس, وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه .اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رب يسر وأعن برحمتك يا كريم

 

 

1- قال الدكتور عبدالعزيز الأيوب هداه الله في (مذكرة العقيدة) ص3 في تعريف الإيمان شرعا : هو التصديق القلبي الجازم بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ

 

قلت : حصر الإيمان بالاعتقاد القلبي وإخراجُ قولِ اللسان وعمل الجوارح منه : هو الارجاء الغالي الذي وافق فيه الأشاعرةُ الجهميةَ .

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة (5/288) : وعند الجهمية الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه هذا قول جهم والصالحي و الأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه .اهـ

 

وأما أهل السنة فأجمعوا على أن الإيمان : قول اللسان واعتقاد القلب وعمل الجوارح .

 

قال الإمام الآجري رحمه الله في الشريعة ص277 : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق ، وهو تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح .اهـ المراد

 

والدليل من السنة على دخول قول اللسان وعمل الجوارح في الإيمان , قول النبي صلى الله عليه وسلم :"الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق , والحياء شعبة من الإيمان" .

 

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في الفتح (1/35) : فأشار إلى أن خصال الإيمان منها قول باللسان ، ومنها ما هو عمل بالجوارح ومنها ما هو قائم بالقلب ، ولم يزد في شيء من هذه الروايات على هذه الخصال .اهـ

 

قال المجدد رحمه الله كما في الدرر (2/124) لا خلاف بين الأمة أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم , واللسان الذي هو القول , والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي , فإن أخل بشيء من هذا لم يكن الرجل مسلما , فإن أقر بالتوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس .اهـ

 

2- ذكر الدكتور عبدالعزيز الأيوب هداه الله في ص5 من مذكرة العقيدة أسماء علم العقيدة , وعد منها (علم الكلام) , 

قال : 5-  علم الكلام : وسمي بذلك لأن مسألة كلام الله تعالى أشهر مسائله . وقيل : لأنه يورث قدرة على الكلام .اهـ

قلت : تسمية علم العقيدة بعلم الكلام لم تصح عن السلف , بل صح عنهم خلاف ذلك من التحذير من علم الكلام وأهل الكلام , والنهي عن الجدال والخصومات في الدين .

 

قال ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله 1108 - وذكر الساجي عن أبي ثور قال : قلت للشافعي رحمه الله : ضع في الكلام شيئا فقال : « من تردى في الكلام لم يفلح » وقال أحمد بن حنبل رحمه الله : « لا يفلح صاحب كلام أبدا ، ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل » وقال مالك : « أرأيت إن جاء من هو أجدل منه أيدع دينه كل يوم لدين جديد ؟ .اه

 

وقال الإمام عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله كما في الدرر السنية (3/281) : وليس في كلام السلف ما يجيز الخوض في اصطلاحات المتكلمين والأشاعرة .اهـ

 

3- قال الدكتور عبدالعزيز الأيوب ص5 معرفا الكفر : شرعا : عدم التصديق ولو بشيء مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ووصل إلينا بطريق يقيني قاطع , أو إنكار شيء علم من الدين بالضرورة , كمن اعتقد مثلا بعدم فرضية الصلوات الخمس .اهـ

 

قلت : عدم التصديق هو الإنكار .

 

و حصره الكفر بـ(عدم التصديق) مبني على الأصل الإرجائي الذي قرره: (وهو أن الإيمان : مجرد تصديق القلب) , وقد بينت خطأ تعريفه للإيمان , وهنا أبين خطأ تعريفه للكفر بإذن الله : 

يلزم على تعريفه لوازم قبيحة منها :

إيمان إبليس , فإنه قال :"فبعزتك لأغوينهم أجمعين" .

وإيمان علماء بني إسرائيل , قال تعالى عنهم :"يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" أي يعرفون الرسول .

وإيمان قوم فرعون , قال تعالى عنهم :"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم"

 

وعلى مذهب الأشاعرة يكون أولئك كلهم مؤمنين !

 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ص337 : فصل وأما الكفر الأكبر فخمسة أنواع : كفر تكذيب , وكفر استكبار وإباءمع التصديق وكفر إعراض وكفر شك وكفر نفاق .اهـ

 

هذه المكفرات الخمس التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله يرجع إليها كل قول أو فعل أو اعتقاد عده الشارع كفرا .

 

تنبيه : واشترط الدكتور –هداه الله- في تكفير من أهان المصحفكما في ص6 (أن يكون عالما بكون هذا الفعل كفرا) .

 

وهذا زعم خاطئ : (وإنما يكفي علمه بحرمة ذلك الفعل لا أن يكون عالما بكونه مكفرا) , فقد أكفر الله المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم مع عدم علمهم بأنهم وقعوا في مكفر , قال تعالى عنهم :"ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب , قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" .

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (7/273) : فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ قَدْ أَتَوْا كُفْرًا بَلْ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرِ فَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُفْرٌ يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ بَعْدَ إيمَانِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ إيمَانٌ ضَعِيفٌ فَفَعَلُوا هَذَا الْمُحَرَّمَ الَّذِي عَرَفُوا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَكِنْ لَمْ يَظُنُّوهُ كُفْرًا وَكَانَ كُفْرًا كَفَرُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا جَوَازَهُ وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ .اهـ

 

قال الشيخ ابن باز رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (1/44) : وهكذا من استهزأ بالدين، وسخر به حكمه حكمهم، وكفره كفر أكبر، كما قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَلاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ، وهكذا لو استهان بشيء مما عظمه الله احتقارًا له، وازدراء له، كأن يستهين بالمصحف، أو يبول عليه، أو يطأ عليه، أو يقعد عليه، أو ما أشبه ذلك استهانة به، كفر إجماعًا؛ لأنه بذلك يكون متنقصًا لله، محتقرًا له؛ لأن القرآن كلامه سبحانه وتعالى، فمن استهان به فقد استهان بالله عز وجل، وهذه الأمور قد أوضحها العلماء في باب حكم المرتد .. .اهـ

 

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الصارم المسلول ص177 : وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفرٌ كفرَ بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يكاد يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله ! .اهـ

 

وامتهان المصحف  كوطئه أو إلقائه في القاذورات أعظم من الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن ما في المصحف كلام الله , و كلام الله عز وجل صفة له فالاستهزاء به استهزاء بالله .

4- قال الدكتور ص5 : فالكفر هو الصورة المقابلة لصورة الإيمان من الجانب الاعتقادي في صورته الباطلة , (فهما إذن أمران متناقضان لا يمكن أن يجتمعا في قلب واحد , فالخروج من الإيمان معناه الدخول في الكفر .اهـ

 

أقول : وهذا كلام مخالف للصواب , إذ أن الإنسان قد يكون فيه إيمان معه خصال كفر أو نفاق , ولا تخرجه تلك الخصال من الإسلام .

 

ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم : أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا ائتمن خَانَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ . أخرجاه

 

فجعل وجود خصلة منهن وجود خصلة من النفاق ولا يكون صاحبها منافقا خالصا حتى يجتمعن فيه .

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (7/350-351) : وتمام هذا أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من شعب الإيمان، وشعبة من شعب النفاق، وقد يكون مسلماً وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية، كما قال الصحابة ابن عباس وغيره : كفر دون كفر . وهذا قول عامة السلف، وهو الذي نص عليه أحمد وغيره .اهـ

 

قلت : وهذه المسألة من الموافقات بين الخوارج وغلاة الارجاء !!.

 

 

5- ادعى الدكتور أن مسألة زيادة الإيمان ونقصانه من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف ولا يبنى عليها تضليلا ص13 وأن هذا الخلاف وقع بين أئمة السنة .

 

أقول : هذا ادعاء باطل ولم يُقِم الدكتور عليه دليلا , وهو خلاف ما أجمع عليه أهل السنة .

 

قال الإمام حرب في عقيدته التي نقل الإجماع عليها : الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة , والإيمان يزيد وينقص –إلى أن قال:- ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجئ , ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع فهو مرجئ , وإن زعم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص مرجئ .. .

 

قال الإمام أبو إسماعيل الصابوني رحمه الله في عقيدة أهل الحديث : ومن مذهب أهل الحديث: أن الإيمان قول وعمل ومعرفة, يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .اهـ

 

قال الدكتور ص10 : القسم الثاني مسائل عقدية مخالفها مبتدع ضال ليس بكافر : التمثيل (أي : مثال على هذا النوع) : كمن أنكر رؤية المؤمنين ربهم في الجنة .. .

 

قلت : أولا : أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة (رؤية حقيقية) , والأدلة على ذلك كثيرة جدا :

 

قال عبدالله بن أحمد في السنة : 411 - حدثني أحمد بن منيع ، نا علي بن ثابت ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي : « في قوله عز وجل ( وجوه يومئذ ناضرة ) قال : نضر الله عز وجل تلك الوجوه , حسنها للنظر إليه .

 

وقال : 413 - حدثني أبي ، نا هاشم بن القاسم ، وحسين بن محمد ، قالا : حدثنا ابن المبارك ، عن الحسن : « في قوله عز وجل ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) قال : الناضرة : الحسنة حسنها الله بالنظر إلى ربها عز وجل وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى ربها جل جلاله »

قال الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الزنادقة والجهمية : والأحاديث في أيدي أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يرون ربهم , لا يختلف فيها أهل العلم .اهـ

قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة : 695 - ذكره عبد الرحمن قال : ثنا محمد بن علي بن سعيد النسائي ، قال : سمعت قتيبة بن سعيد ، يقول : « قول الأئمة المأخوذ به في الإسلام والسنة : الإيمان بالرؤية والتصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤية »

 

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/578 ) : وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها -إلى أنقال-: وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام ، وهداة الأنام .اهـ

 

ثانيا : أجمع أهل السنة أن منكري الرؤية واقعون في الكفر الأكبر .

 

قال الآجري رحمه الله في الشريعة 580 - وحدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : نا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ، وبلغه عن رجل أنه قال : إن الله تعالى لا يرى في الآخرة ، فغضب غضبا شديدا ثم قال : من قال بأن الله تعالى لا يرى في الآخرة فقد كفر ، عليه لعنة الله وغضبه ، من كان من الناس ، أليس الله عز وجل قال وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون هذا دليل على أن المؤمنين يرون الله تعالى .

قال عبدالله في السنة : 358 - حدثني إسحاق بن بهلول الأنباري ، قال : سمعت وكيعا ، يقول : من رد حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ، عن جرير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية فاحسبوه من الجهمية . (أي حديث الرؤية)

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (4/486) : وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ " السَّلَفِ " أَنَّ مَنْ جَحَدَ رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ عُرِّفَ ذَلِكَ كَمَا يُعَرَّفُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْجُحُودِ بَعْدَ بُلُوغِ الْعِلْمِ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ. وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ قَدْ دَوَّنَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا " كُتُبًا " مِثْلَ: " كِتَابِ الرُّؤْيَةِ " للدارقطني وَلِأَبِي نُعَيْمٍ وللآجري ؛ وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُونَ فِي السُّنَّةِ كَابْنِ بَطَّةَ اللالكائي وَابْنِ شَاهِينَ وَقَبْلَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَحَنْبَلُ بْنُ إسْحَاقَ وَالْخَلَّالُ والطَّبَرَانِي وَغَيْرُهُمْ. وَخَرَّجَهَا أَصْحَابُ الصَّحِيحِ وَالْمَسَانِدِ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهِمْ .اهـ

 

مذهب الأشاعرة في رؤية الله : 

 

عند التحقيق: فإن الأشاعرة نفاة لرؤية الله عز وجل رؤية حقيقية, فيقولون : يرى بلا معاينة , أو يرى إلى غير جهة –ونفيهم للجهة هو نفي لعلو الله وهذا ما سنناقشه لاحقا بإذن الله- .

 

ومؤدى قولهم هو قول الجهمية والمعتزلة .

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (16/84) : قَوْلُ هَؤُلَاءِ: " إنَّ اللَّهَ يُرَى مِنْ غَيْرِ مُعَايَنَةٍ وَمُوَاجَهَةٍ " قَوْلٌ انْفَرَدُوا بِهِ دُونَ سَائِرِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ وَجُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ. وَالْأَخْبَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: {إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ} –إلى أن قال- : وَأَمَّا رُؤْيَةُ مَا لَا نُعَايِنُ وَلَا نُوَاجِهُهُ فَهَذِهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ فِي الْعَقْلِ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ كَرُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. وَلِهَذَا صَارَ حُذَّاقُهُمْ إلَى إنْكَارِ الرُّؤْيَةِ وَقَالُوا: قَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْبَاطِنِ؛ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوا الرُّؤْيَةَ بِزِيَادَةِ انْكِشَافٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا نُنَازِعُ فِيهِ الْمُعْتَزِلَةَ .اهـ

 

وتشبيه رؤية الله برؤية القمر هي تشبيه للرؤية بالرؤية مع العلم الفارق الكبير بين المرئي والمرئي .

 

قال الشيخ عبدالله أبا بطين رحمه الله كما في مجموع الدرر السنية (1/364) : يقولون –أي الأشاعرة- : إن معنى الرؤية إنما هو زيادة علم يخلقه الله عز وجل في قلب الناظر ببصره , لا بالبصر حقيقية عيانا !.

فهم بذلك نافون للرؤية، التي دل عليها القرآن، وتواترت بها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .اهـ

7- قال الدكتور –هداه الله- ص12 : القسم الثالث : مسائل عقدية يجوز فيها الخلاف : ......

إلى أن قال : التمثيل –أي : مثال- : كاختلاف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في مسألة معراج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان بروحه فقط ؟ أم كان بروحه وجسده ؟ أم كان رؤيا منامية ؟ فالجمهور على الثاني , وبعضهم على الأول , ومنهم على الثالث . ولكل دليله .

 

أقول : أولا : لم يحصل بين الصحابة خلاف في العقيدة البتة , وكل مثال يورده أهل الأهواء للتهوين من مسائل العقيدة فهو منقوض .

 

قال ابن البناء الحنبلي في المختار 66 وهو يتكلم عن اعتقاد أهل السنة : لا يختلفون في شيء من هذه الأصول ومن فارقهم في شيء منها نبذوه وباغضوه وبدعوه وهجروه .اهـ 

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل (10/306) : فإن أئمة السنة والحديث لم يختلفوا في شيء من أصول دينهم .. اهـ المراد

 

قال محمد بن خفيف رحمه الله : فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه قولا واحدا وشرعا وظاهرا .. .اهـ نقله عنه شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (5/71)

 

ثانيا : من المعلوم عند (أهل العلم والمعرفة) أن مسائل أصول الدين توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها .

قال السجزي رحمه الله في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص92) : وقال عمر وسهل بن حنيف : اتهموا الرأي على الدين .

ولا مخالف لهما من الصحابة , وقد كانا يجتهدان في الفروع , فَعُلِمَ أنهما أرادا بذلك المنع من الرجوع إلى العقل في المعتقدات .اهـ

 

ثالثا : أما استدلال الدكتور باختلاف الصحابة في كيفية معراج النبي صلى الله عليه وسلم فهو استدلال متهافت , إذ أن عمدته في استدلاله أثرين ضعيفين رواهما ابن جرير في تفسيره .

 

الأول : قال ابن جرير رحمه الله : حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد، قال: ثني بعض آل أبي بكر، أن عائشة كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أسرى بروحه.

 

أقول :1- فيه محمد بن حميد الرازي وهو كذاب

      2-في الإسناد إبهام (لم يذكر اسم شيخ محمد) .

 

الثاني :حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت رؤيا من الله صادقة.

 

أقول : 1- فيه محمد بن حميد الرازي وهو كذاب 

        2- يعقوب بن عتبة لم يلق معاوية رضي الله عنه : فالإسناد منقطع .

 

8- قال الدكتور –هداه الله- ص49 : خامسا : الحسن والقبح حالان اعتباريان لا موجودان ذاتيان :

الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع .

 

أقول : وهذا غلط على الدين , إذ أن حسن الأشياء وقبحها معلوم في العقل , أما الثواب والعقاب فلا يحصلان إلا بعد مجيء الشرع . 

 

وقول الدكتور هو من موافقات الأشاعرة للجهمية الخُلَّص ! 

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب الصحيح (3/3) في ذكر أقسام الناس في التحسين والتقبيح : فقالت طائفة لا يعرف ذلك إلا بالشرع لا بالعقل وهذا قول نظار المجبرة كالجهم بن صفوان وأمثاله وهو قول أبي الحسن الأشعري وأتباعه من أصحاب الأئمة الأربعة .. .اهـ

 

والتزم الأشاعرة لوازم قبيحة لهذا القول , وقالوا بأنه لا فرق بين الشرك والتوحيد , والزنى والعفة , والفجور والصلاح إلا بعد مجيء الشرع , ولو فعل أحد أمرا مستقبحا قبل ورود الشرع لما كان قبيحا منه !! 

 

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى الكبرى (6/611) في كلامه عنهم وهذا الأصل هو من الأصول المبتدعة في الإسلام لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن العقل لا يحسن ولا يقبح أو أنه لا يعلم بالعقل حسن فعل ولا قبحه بل النزاع في ذلك حادث في حدوث المائة الثالثة .. .اهـ

وخالفهم المعتزلة بأن جعلوا القبح والحسن عقليين ولا دخل للشرعفيهما , وأن الحجة قائمة بدون إرسال رسل , وأن الثواب والعقاب واقعين وإن لم يتم إرسال رسل .

 

أقول :وهذا أيضا محض افتراء على الشريعة

 

وفي قوله تعالى :"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" , رد على الطائفتين , أما الأشاعرة : بأنه تعالى بين أنهم ماكانوا واقعين فيه قبيح , لكنه ((لا يعذبهم)) عليه إلا بعد قيام الحجة عليهم وبلوغ الشرعة , قال تعالى :"رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".

 

وأما المعتزلة : فالآية دلت على أن ما وقعوا فيه كان مستقبحا عقلا((لكن الله تعالى لا يحاسبهم عليه إلا بعد أن يقيم الحجة الرسالية عليهم –وهي بلوغ الشرع لهم-)) .

 

- قال الدكتور –هداه الله- ص31 : والله تعالى مقدس عن الاختصاص بالجهات , والاتصاف بالمحاذاة , فلا تحيط به الأقطار , ولا تكتنفه الأرض ولا السماء , ويجل عن الاختصاص بالجهات .

 

أقول : في هذا الكلام نفي لعلو الله على خلقه الثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل .

 

إذ أن الأشاعرة من اعتقادهم أن الله سبحانه لا خارج العالم ولا داخله ولا منفصل ولا متصل !!

 

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله كما في الدرر (3/223) : وأما قول الأشاعرة في نفي علو الله تعالى على عرشه فهو قول الجهمية سواء بسواء .اهـ

 

قال إمام الأشاعرة الغزالي : أن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا هو متصل به ولا هو منفصل عنه، (قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته) !! .اهـ

إحياء علوم الدين (4/ 434) .

 

قلت : وهذا الوصف القبيح هو لممتنع الوجود ولا يصلح أن يكون لواجب الوجود (الله سبحانه) فهم هربوا من تشبيهه بالموجودات فشبهوه بالممتنعات !! 

 

ولم يصرح الدكتور بعقيدته في هذه المسألة بل عَمِد إلى التمويه وزَعْمِ التنزيه !! وهذا لأن عقول أهل الفطر السليمة تمج مثل هذالحظة سماعه . وأما التمويه فقلوب ذوي النقص مسرعة إلى قبوله !

 

قال المقدسي رحمه الله في المناظرة في القرآن ص35 : وَلَا نَعْرِف فِي أهل الْبدع طَائِفَة يكتمون مقالتهم وَلَا يتجاسرون على إظهارها إلا الزَّنَادِقَة والأشعرية وَقد أمر الله تَعَالَى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلمبِإِظْهَار الدّين وَالدُّعَاء إليه وتبليغ مَا أنزل عَلَيْهِ .. .

 

ويقال للدكتور : ألم تقل ص75 أن من وظائف الرسول ومهماته : هداية الأمة إلى خير ما يعلمه لهم , وإنذار شر ما يعلمه لهم ؟!!

 

فلماذا لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه بأنه لا فوق العالم ولا تحته ولا متصل ولا منفصل ولا... ولو بحديث ضعيف ؟!!

 

بل إن الأحاديث النبوية والآثار السلفية متظافرة بإثبات العلو المطلق لله سبحانه وتعالى .

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله : قَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ " بِالْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَالْفَوْقِيَّةِ " فِي كِتَابِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: فِي الْقُرْآنِ " أَلْفُ دَلِيلٍ " أَوْ أَزْيَدُ: تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالٍ عَلَى الْخَلْقِ وَأَنَّهُ فَوْقَ عِبَادِهِ .اهـ

 

وقال في درء تعارض العقل والنقل (7/127) : العلم بدلالة النصوص على العلو والصفات أمر ضروري فالقدح فيه من جنس القدح فيما دل عليه القرآن من خلق السماوات والأرض ومن نعيم الجنة والنار ولا ريب أن دلالة القرآن والحديث على ذلك أعظم من دلالته على الميزان والشفاعة والحوض وفتنة القبر ومساءلة منكر ونكير وأعظم من دلالته على أن محمدا خاتم النبيين وأنه أفضل الخلق وأن الأنبياء أفضل من غيرهم وأن السابقين الأولين من أهل الجنة وأعظم من دلالته على تنزيه الله عن البخل والكذب والظلم ونحو ذلك من النقائص .اهـ

 

من أدلة القرآن على علو الله تعالى قوله:"وهو القاهر فوق عباده" وقوله :"الرحمن على العرش استوى" في سبعة مواضع من القرآن , وقوله "تعرج الملئكة والروح إليه" أي : تصعد , وقوله :"أءمنتم من في السماء" أي : على السماء , وقوله :"نزل به الروح الأمين على قلبك" أي : نزل جبريل بالقرآن من عند الله .

وفي الحديث ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جارية معاوية بن الحكم : أين الله ؟ فأشارت إلى السماء .

 

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .

وروى الدارمي في (الرد على الجهمية) بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : احتجب الله من خلقه بأربعة حجب : بنار وظلمة ونور وظلمة .اهـ

 

(فإن لم يكن فوق سمواته بائن من خلقه –كما زعمت الأشاعرة والجهمية- فلن يكون لذكر الحجب هنا معنى)

 

وقال الإمام حرب الكرماني رحمه الله في عقيدته : وخلق الله سبع سموات بعضها فوق بعض , وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض , وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمئة عام , وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمئة عام والماء فوق السماء العليا السابعة , وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء والله تبارك وتعالى على العرش .

 

50 - حدثني عباس العنبري ، حدثنا شاذ بن يحيى ، سمعت يزيد بن هارون ، وقيل ، له : من الجهمية ؟ فقال : « من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي »

 

ثم إن سلف الدكتور الذين ينتسب إليهم –متقدمو الأشاعرة-يخالفونه في هذا !!

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء التعارض (6/267)  : وأيضا فعبد الله بن سعيد بن كلاب والحارث المحاسبي وأبو العباس القلانسي وأبو الحسن بن مهدي الطبري وعامة قدماء الأشعرية يقولون : إن الله بذاته فوق العرش ويردون على النفاة غاية الرد وكلامهم في ذلك كثير مذكور في غير هذا الموضع .اهـ

 

وصرح العز بن عبد السلام الأشعري كما في قواعد الأحكام (1/202) أن قول الأشاعرة صعب المدرك عسر الفهم !! وزعم زورا وبهتانا على الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقر الصحابة على إثبات العلو وعلى إثبات صفات الكمال مماشاة ومحاكاة لقصر عقولهم التي لا تفهم إلا التجسيم , لا أن إثبات ما ورد في النصوص هو الحق نفسه . قال : لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس .

 

أقول : (ستكتب شهادتهم ويسألون)

 

قال المقدسي رحمه الله في المناظرة ص35 : أم كَيفَ حل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتمانها عَن أمته وَقد أَمر بتبليغ مَا أنْزِلْ إِلَيْهِ وتوعد على إخفاء شيء مِنْهُ بقوله {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته} أم كَيفَ وَسعه أن يُوهم الْخلق خلاف الْحق .. .اهـ

 

وقال تعالى :"ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين" فما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقر أصحابه على باطل , ولا كان ليفتري على الله باطلا "ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو وأشار إلى فمه : "أكتب فما يخرج منه إلا حقا" .

 

وعند الدكتور أن معتقد التجسيم كافر كما في ص6 !!

 

فهل الصحابة كانوا كفارا ؟!! لأنهم كانوا مجسمة كما زعم ابن عبدالسلام !!

 

تنبيه : استدل الدكتور –هداه الله- ص3 بكلام للغزالي ووصفه بالإمامة !!

 

وفي ص6 في أقسام المكفرات , قال : 3- ما يتعلق بالغيبيات الثابتة بدليل قاطع , وذلك كإنكار الملائكة أو الجن أو الكتب السماوية , أو إنكار يوم القيامة والبعث والجنة والنار .اهـ

 

ثم إن الغزالي نفسه  ينكر وجود الملائكة والجن كما في إحياء علومالدين (3/27)

 

فهل سيكفره لإنكاره ما ثبت بدليل قاطع ؟!!

10قال الدكتور –هداه الله- ص37 : 4- صفة الكلام : وهو صفة أزلية قائمة بذاته تعالى , وهو آمر بها وناه ومخبر , عبر عنها نظم ما أوحاه إلى رسله كالقرآن والتوراة والإنجيل , وهي ليست بحرف ولا صوت .

 

أقول : معنى قول الأشاعرة عن الصفة بأنها أزلية : أي أنها غير متجددة وأن الله لا يفعلها متى شاء !! 

وقوله : ليست بحرف وصوت , أي : أن الله سبحانه كالأبكم يتكلم بكلام في نفسه لا يستطيع إظهاره إلا أن يخلقه !! (تعالى الله عما يقولون) .

 

ومعنى قولهم : عبر عنها نظم ما أوحاه إلى رسله .

 

أي : أن الذي بين أيدينا من القرآن ليس بصفة لله وإنما هو عبارة عنه , والمعَبِّر هو جبريل وجبريل مخلوق إذا القرآن مخلوق ! .

 

قال الجويني الأشعري في الإرشاد ص117 : فإن معنى قولهم-أي المعتزلة- هذه العبارات كلام الله : أنها خلقه،ونحن لا ننكر أنها خلق الله..

 

وقال البيجوري الأشعري في شرح جوهرة التوحيد.ص94 : أن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلـوق ، لكن يمتنع أن يقال : القرآن مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم ؛ لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق . 

 

أقول : فتأمل أخي القارئ كيفية استخدامهم للتلبيس والتدليس والتقية !!

وهذا خلاف ما أجمع عليه المسلمون من أن الله سبحانه متكلم بكلام حقيقي بصوت وحرف , وأنه يتكلم متى شاء , وأن موسى عليه السلام سمعه عند الشجرة بلا واسطة , وأنه ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب .

 

والدليل على ما ذكرت قوله تعالى :"وكلم الله موسى تكليما" , وقوله لآدم وحواء :"ألم أنهكما عن تلكما الشجرة" , وقوله ":ونادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين" 

 

قال عبدالله في السنة : 465 - حدثني أبي رحمه الله ، نا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عبد الله : « إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجدا حتى إذا فزع عن قلوبهم قال سكن عن قلوبهم نادى أهل السماء : ماذا قال ربكم ؟ قال صلى الله عليه وسلم الحق قال كذا وكذا »

 

وروى الآجري في الشريعة بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 156قال : القرآن كلام الله عز وجل فلا تضربوه على آرائكم .

 

وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه 157 قال : يا هناه : تقرب إلى الله عز وجل ما استطعت , فإنك لست تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه .


قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح الأصبهانية : وما زعموه من أن المتكلم يكون متكلما بكلام قائم بغيره , قول خرجوا به عن العقل والشرع واللغة .اهـ

 

وقال السجزي رحمه الله في رسالته إلى أهل زبيد ص110 : وإن أحدا قبل خصومنا هؤلاء –أي الأشاعرة- ما عرف قرآنا ينقري ولا يدخله الحرف والصوت , والأشعري أيضا لم يعرف ذلك وإنما حملهعلى ما قال التحير ... .اهـ

 

وذكر الدكتور –هداه الله- في ص37 أن الكلام في اللغة يطلق لمعنيين أحدهما ما يقوم في النفس والثاني الألفاظ المعبرة عما في النفس .

 

أقول : إن الكلام في اللغة العربية عند الإطلاق لا يفهم منه إلا ما كان من حرف وصوت .

 

ولا يراد به الكلام النفسي إلا عند الإضافة كأن يقال : قلت (في نفسي) , أو : أسررت (في نفسي) , ومنه قوله تعالى عن يوسف عليه السلام :"فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون" أي أن يوسف عليه السلام قال هذا الكلام في نفسه ولم يظهره .

 

واستدلال الدكتور ص37 ببيت للأخطل على ما ادعاه من التناقض , إذ أنه قرر ص9 أن الأدلة النقلية يشترط أن تكون 1- قطعية الثبوت و 2-قطعية الدلالة , وأما بيت الأخطل 1- فآحاد 2- واختلف في ثبوته عن الأخطل !! 3- وصاحبه نصراني 4- ثم إن النصارى أنفسهم قد ضلوا في صفة الكلام فجعلوا عيسى عليه السلام هو نفسه كلمة الله ؛ فتأمل يا رعاك الله !!.

 

قال الإمام الدارمي رحمه الله : وهكذا الباطل ما ازداد المرء له احتجاجا إلا ازداد اعوجاجا , ولما خفي من ضمائره إخراجا .

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الأصبهانية ص483 : ومعنى كلام السلف أن من قال : إن كلام الله مخلوق , فحقيقة قوله أن الله تعالى لا يتكلم , وأن المحل الذي قام به : "إنني أنا الله لا إله إلا أنا" هو المدعي للألوهية , كما أن فرعون لما قام به :"أنا ربكم الأعلى" كان مدعيا للربوبية .اهـ

قلت : وهذا هو كلام الدكتور بعينه

 

فقد قال ص77 عند كلامه عن طرق إيحاء الله إلى رسله : 2- ما كان بواسطة إسماع الكلام الإلهي , ولكن من غير أن يرى السامع من يكلمه .كأن يخلق الله الأصوات في بعض الأجسام من حجر أو شجر أو غير ذلك . ومن هذا النوع ما كان لسيدنا موسى عليه السلام حين مناجاته ربه في جانب الطور .اهـ

 

وقد أجمع السلف على أن منكري صفة الكلام واقعون في الكفر الأكبر .

 

قال الإمام اللالكائي رحمه الله في شرح اعتقاد أهل السنة عن القرآن : ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن ، وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول ومربوب ، بل هو صفة من صفات ذاته ، لم يزل به متكلما ، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة .اهـ

 

قال الإمام البربهاري رحمه الله في شرح السنة : والإيمان بأن الله تبارك وتعالى هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور , وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه , لا من غيره , فمن قال غير هذا فقد كفر بالله العظيم .

قال عبدالله في السنة : 6 - حدثني شيخ ، لنا بصري ، حدثني عبدة بن محمد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، سمعت سفيان الثوري ، يقول : « من زعم أن قول الله عز وجل (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) مخلوق فهو كافر زنديق حلال الدم »

 

وقال : 13 - حدثني أبو جعفر أحمد بن سعيد الدارمي ، قال : سمعت محمد بن أعين ، سمعت النضر بن محمد ، يقول : « من قال ( إنني أنا الله ، لا إله إلا أنا فاعبدني ) مخلوق فهو كافر ، قال : فأتيت ابن المبارك فقلت له ألا تعجب من أبي محمد قال كذا وكذا ؟ قال : وهل الأمر إلا ذاك ، وهل يجد بدا من أن يقول هذا »

 

11- قال الدكتور –هداه الله- ص80 : المعجزات : وهي ما يظهر على يد الأنبياء (عند التحدي) عند تبليغ رسالات ربهم , كالإسراء والمعراج , وناقة صالح , وعصا موسى , وهي مختصة بالأنبياء .

 

أقول : إن اشتراط التحدي في المعجزة من الغلط 

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في النبوات  ص114 : السابع أن آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها ولا تحديه بالإتيان بمثلها بل هي دليل على نبوته وإن خلت عن هذين القيدين وهذا كإخبار من تقدم بنبوة محمد فإنه دليل على صدقه وإن كان هو لم يعلم بما أخبروا به ولا يستدل به وأيضا فما كان يظهره الله على يديه من الآيات مثل تكثير الطعام والشراب مرات كنبع الماء من بين أصابعه غير مرة وتكثير الطعام القليل حتى كفى أضعاف من كان محتاجا إليه وغير ذلك كله من دلائل النبوة ولم يكن يظهرها للاستدلال بها ولا يتحدى بمثلها بل لحاجة المسلمين إليها وكذلك إلقاء الخليل في النارإنما كان بعد نبوته ودعائه لهم إلى التوحيد .اهـ

وقد مثل الدكتور بعدة أمثلة على معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ص82 ؛ أذكر منها : 

1- الشجرة تقر للنبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة .
2- الذئب يتكلم ويشهد بالرسالة .
3- حنين الجذع شوقا إليه صلى الله عليه وسلم .

6- تسليم الأشجار والأحجار عليه .

7- ذراع الشاة يتكلم .

8- الجمل يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم .

9- عرق النبي صلى الله عليه وسلم طيب .

 

أقول : أين التحدي الذي تزعمه الأشاعرة في هذه المعجزات التي ذكرها الدكتور نفسه) ؟!! 

 

12 - قال الدكتور ص87 : عند ذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : 22- أنه معصوم من الذنوب كبيرها وصغيرها , عمدها وسهوها , وكذلك الأنبياء .اهـ

 

أقول : إن عصمة الأنبياء عليهم السلام مطلقا من الكبائر والصغائر قد خالف الدكتور فيها الكتاب والسنة وجمهور المسلمين :

 

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله في الدرر السنية (11/510) : وأما قولهم في عصمة الأنبياء، فالذي عليه المحققون: أنه قد تقع منهم الصغائر، لكن لا يقرون عليها، وأما الكبائر فلا تقع منهم؛ وكل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ثبت عنه فهو حق، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ، كذلك تقريراته حق .اهـ

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (20/88) : الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ كَانَ مِنْ أَبِي الْجِنِّ وَأَبِي الْإِنْسِ أَبَوَيْ الثَّقَلَيْنِ الْمَأْمُورَيْنِ وَكَانَ ذَنْبُ أَبِي الْجِنِّ أَكْبَرَ وَأَسْبَقَ وَهُوَ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ السُّجُودُ إبَاءً وَاسْتِكْبَارًا وَذَنْبُ أَبِي الْإِنْسِ كَانَ ذَنْبًا صَغِيرًا {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} وَهُوَ إنَّمَا فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ الْأَكْلُ مِنْ الشَّجَرَةِ؛ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِذَنْبِ؛ وَأَنَّ آدَمَ تَأَوَّلَ حَيْثُ نُهِيَ عَنْ الْجِنْسِ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} فَظَنَّ أَنَّهُ الشَّخْصُ فَأَخْطَأَ؛ أَوْ نَسِيَ وَالْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي لَيْسَا مُذْنِبَيْنِ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْكَلَامِ وَالشِّيعَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُوجِبُ عِصْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الصَّغَائِرِ وَهَؤُلَاءِ فَرُّوا مِنْ شَيْءٍ وَوَقَعُوا فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي تَحْرِيفِ كَلَامِ اللَّهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ .اهـ

 

واحتج الدكتور –هداه الله- ص79 على قوله بأنهم لو كانوا غير معصومين منها لكنا مأمورين باتباعهم فيها !!

 

وهذا استدلال لا محل له ؛ فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا إذا وقع منهم الذنب سرعان ما ينزل الوحي بعدم إقرارهم عليه  وسرعان ما يتوبون فنحن مأمورون بالاقتداء بتوبتهم لا بمعصيتهم .

 

ولو طردنا استدلال الدكتور لصرنا مأمورين حتى بالأحكام التي نسخت –فتأمل- !!

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله (15/146) : فَأُجِيبُوا بِأَنَّ التَّأَسِّي إنَّمَا هُوَ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ النَّسْخَ جَائِزٌ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِوَلَيْسَ تَجْوِيزُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الطَّاعَةِ لِأَنَّ الطَّاعَةَ تَجِبُ فِيمَا لَمْ يُنْسَخْ فَعَدَمُ النَّسْخِ يُقَرِّرُ الْحُكْمَ وَعَدَمُ الْإِنْكَارِ يُقَرِّرُ الْفِعْلَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا .اهـ

 

13-  بيان ما أخطأ فيه الدكتور في باب الصفات :

 

فيه :

1- طريقة أهل السنة في النفي والإثبات .
2- مقارنة بين أهل السنة والأشاعرة  في باب الأسماء والصفات .
3- توضيح بعض المصطلحات الأشعرية التي ذكرها الدكتور في مذكرته وبيان ما فيها من أخطاء .

 

1- طريقة أهل السنة في النفي والإثبات :-

 

في الإثبات : يثبت أهل السنة والجماعة لله كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما أجمع عليه .

 

في النفي : وينفون عن الله سبحانه النقص والعيب ومماثلة المخلوقين .

 

وما لم يرد دليل على ثبوته أو انتفائه فيسكتون عنه .

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (16/432) : فالأقسام ثلاثة : ما علم ثبوته أثبت , وما علم انتفاؤه نفي , وما لم يعلم نفيه وإثباته سكت عنه ؛ (هذا هو الواجب)  , والسكوت عن الشيء غير الجزم بنفيه أو ثبوته .اهـ

 

2- مقارنة بين أهل السنة والأشاعرة :-

 

سلك الأشاعرة في إثبات الصفات مسلك العقليات وأعرضوا عن السمعيات –نصوص الكتاب والسنة- إلا استئناسا إن وافقت مذهبهم –فيما يظنون- وردا وتأويلا لها إن خالفت مذهبهم  فلا قيمة للنصوص عندهم .

 

قال السمعاني رحمه الله كما في الحجة (2/224) : أهل الأهواء إذا سمعوا شيئا من الكتاب والسنة عرضوه على معيار عقولهم ؛ فإن استقام قبلوه وإن لم يستقم في ميزان عقولهم ردوه .اهـ

 

فأثبت الأشاعرة لله تعالى سبع صفات وهي التي يسمونها صفات المعاني –وهي السمع والبصر والكلام والإرادة والحياة والقدرة والعلم- , ونفوا بقية الصفات .

 

واحتجوا على باطلهم أن إثبات بقية الصفات يلزم منه التشبيه بالمخلوقات !!

 

(ملاحظة : 

1- يرجع الأشاعرة بقية الصفات إلى صفة الإرادة , فالرحمة ينفون حقيقتها , ويقولون : هي إرادة الإنعام , والغضب : هو إرادة الانتقام .. وهلم جرا !!
2- إثبات الأشاعرة للصفات السبع ليس إثباتا صحيحا في أغلبها)

 

فيقال لهم :

 

1- إن الكلام في بعض الصفات كالكلام في البعض الآخر يحتذى فيه حذوه , فإن كان إثبات باقي الصفات يلزم منه التشبيه بالمخلوقات , نقول : وكذلك يلزم مما أثبتم التشبيه بالمخلوقات , فإن قلتم : إنما أثبتناها على ما يليق بالله , فنقول : ونحن نثبت كل ما أثبتته نصوص الكتاب والسنة من الصفات على ما يليق بالله سبحانه .

 

2- فإن قالوا : العقل يقتضي ثبوت الصفات السبع فقط , يقال لهم : إن ما لم تثبته عقولكم قد أثبتته النصوص الشرعية , والاطمئنان إلى النصوص أكثر من الاطمئنان إلى مجرد العقل ؛ والعقل إن لم يثبتها -كما زعمتم- فهو لم ينفها.

 

3- ثم إننا يمكننا إثبات صفات غير السبع بنظير طريقتكم العقلية التي سلكتموها : فأنتم أثبتم صفة القدرة بدليل عقلي وهو ماذكره الدكتور ص33 : أنه تعالى صانع العالم على أكمل اتقان , وكل ما كان كذلك تجب له القدرة .

فنقول :  إن إنعام الله على أوليائه يدل على صفة الإحسان , وعقاب الله لأعدائه يدل على صفة الانتقام , ونفع العباد يدل على صفة الرحمة .

 

إذا العقل يثبت الصفات لا ينفيها كما ادعت الأشاعرة

4- وجِماعُ الكلام أن يقال : إن الله تعالى وصف نفسه بصفات ووصف مخلوقاته بصفات  ؛ فوصف نفسه بالمحبة ووصف عباده بالمحبة فقال :"يحبهم ويحبونه" , وليست محبة الخالق كمحبة المخلوق , ووصف نفسه بالعلم فقال :"إن الله سميع عليم" ووصف عبده بالعلم فقال:"وإنه لذو علم لما علمناه" وليس العلم كالعلم , ووصف نفسه بالاستواء فقال :"الرحمن على العرش استوى" , ووصف عباده بالاستواء فقال :"لتستووا على ظهوره" وليس الاستواء كالاستواء .

 

( ملاحظة : ينفي الأشاعرة صفة المحبة عن الله زاعمين عدم التناسب بين الخالق والمخلوق !)

 

5- فأهل السنة والجماعة أصحاب الطريقة السلفية يثبتون ظواهر النصوص وحقيقتها ويفوضون علم كيفيتها إلى الله سبحانه , كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء , فقال : الاستواء معلوم , والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .

 

6- فإن الله سبحانه أخبرنا أنه استوى فنؤمن بذلك , وإذا سئلنا عن الكيفية ؟ , نقول : أخبرنا الله بأنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى .

 

وهذه القاعدة مطردة في جميع الصفات مثل : الضحك والغضب والرضى واليدين والنزول والمجيء والقدمين .. إلخ

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى(5/28) : واعلم أنه ليس في الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا .اهـ

 

7- وبناء على ما ذكرت من عقيدة الأشاعرة فإنهم يجعلون الإيمان بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر –وهذا اعتراف منهم بأنهم مخالفون للنصوص - .

قال الصاوي الأشعري في حاشية تفسير الجلالين سورة الكهف آية 23 : لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر .

 

وقال السنوسي الأشعري في شرح الكبرى : أصول الكفر ستة ... السادس : التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية .اهـ

 

8- فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل يوما بأن ظاهر النصوص غير مراد ولم يؤثر عنه حرف  في ذلك !! بل قد كان يسأله الأعرابي : أويضحك ربنا ؟ , فيقول : نعم , فيقول الأعرابي : لا نعدم خيرا من رب يضحك . ويسأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية : أين الله ؟ فتشير إلى السماء . فيقرها ويثبت إيمانها بذلك , ويأتيه الحبر فيقول :يا محمد أو يا أبا القاسم إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول أنا الملك أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له ثم قرأ { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بباطل أو يقر على باطل كما افترت الأشاعرة ؟!!

"سبحانك هذا بهتان عظيم"

ولم يقل أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المرضيين أن ظاهر النصوص يوهم الكفر والتشبيه , بل تواتر عنهم إثبات الصفات , مثل :

تفسير ابن عباس رضي الله عنهما الكرسي في قوله تعالى :"وسع كرسيه السماوات والأرض" قال : موضع القدمين.

 

روى الدارمي في النقض بسنده عن نافع بن عمر الجمحي قال : سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَة ، عَنْ يَدِ اللَّهِ أَوَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَانِ قَالَ: بل اثْنَتَانِ .

 

وقال الدشتي في إثبات الحد ص82 : وفيه: عن عباد بن منصور قال: سألت الحسن وعكرمة عن قوله: {الرحمن على العرش استوى} قالا: «جالس».

 

وغيرها كثير جدا

 

وقد كفر السلف المشبهة المجسمة :

 

قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة : 738 - ذكره عبد الرحمن قال : ثنا إسماعيل بن أبي الحارث ، ثنا سويد بن سعيد ، قال : ثنا علي بن عاصم ، قال : تكلم داود الجواربي في التشبيه فاجتمع فيها أهل واسط ، منهم محمد بن يزيد ، وخالد الطحان ، وهشيم ، وغيرهم ، فأتوا الأمير وأخبروه بمقالته ، فأجمعوا على سفك دمه ، فمات في أيامه ، فلم يصل عليه علماء أهل واسط

وقال : 741 - ذكره عبد الرحمن قال : ثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي ، قال : قال نعيم بن حماد : « من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه »

وقال : 742 - ذكره عبد الرحمن قال : ثنا أحمد بن سلمة ، قال : سمعت إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، يقول : « من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم ، لأنه وصف بصفاته أنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول »

 

735 - أخبرنا أحمد بن عبيد ، قال : أخبرنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن أبي خيثمة ، قال : ثنا الهيثم بن خارجة ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، يقول : سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية ، فقالوا : « أمروها كما جاءت بلا كيف »

أي أمروها على ظاهرها مع نفي علم الكيفية 

 

قال الترمذي رحمه الله في جامعه ص169 موضحا معنى التشبيه المنهي عنه : وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابهِ اليَدَ وَالسَّمْعَ وَالبَصَرَ، فَتَأَوَّلَتِ الجَهْمِيَّةُ هَذِهِ الآيَاتِ فَفَسَّرُوهَا عَلَى غَيْرِ مَا فَسَّرَ أَهْلُ العِلْمِ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ آدَمَ بِيَدِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ مَعْنَى اليَدِ هَاهُنَا القُوَّةُ.

وقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ إِذَا قَالَ: يَدٌ كَيَدٍ، أَوْ مِثْلُ يَدٍ، أَوْ سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَإِذَا قَالَ: سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَهَذَا التَّشْبِيهُ.

وَأَمَّا إِذَا قَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَدٌ، وَسَمْعٌ، وَبَصَرٌ، وَلاَ يَقُولُ كَيْفَ، وَلاَ يَقُولُ مِثْلُ سَمْعٍ، وَلاَ كَسَمْعٍ، فَهَذَا لاَ يَكُونُ تَشْبِيهًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

 

من هذا الفصل يعلم أن جعل الدكتور ص42-43 مذهب أهل التفويض والتجهيل ومذهب أهل التأويل هما المذهبان المرتضيان من الجنايات على الشريعة . والله المستعان 

 

ومن تناقضات الأشاعرة أنهم يؤولون نصوص الصفات ويثبتون نصوص المعاد – يوم القيامة - مع أن النصوص الواردة في الصفات أكثر من النصوص الواردة في المعاد ! (فتأمل) وفتحوا بهذه الشنعة بابا عظيما على أنفسهم للملاحدة والدهرية .

 

4- توضيح بعض المصطلحات الأشعرية التي ذكرها الدكتور – هداه الله - في مذكرته وبيان ما فيها من أخطاء .

 

كثيرا ما يكرر الدكتور بعد ذكر صفة معينة قوله : أنها أزلية( انظر ص22 و ص38 و ص40), مثل سمع أزلي أو بصر أزلي أو قدرة أزلية ,

 

ومعنى هذا : أنها قديمة ليست بمتجددة , وأن الله ليس بقادر على فعلها الآن !!

 

وعند أهل السنة أن صفات الأفعال –أو الصفة الذاتية الفعلية- قديمة النوع حادثة الآحاد , 

 

قال تعالى :"لقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها" فأثبت الله سبحانه سماعه للكلام لحظة وقوعه .

 

وقال تعالى :"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه" فأثبت التكليم لحظة مجيء موسى عليه السلام .

 

وقال تعالى :"فلما ءاسفونا انتقمنا منهم" أي فلما أغضبونا انتقمنا منهم فأثبت لنفسه صفتين وقعتا حال عدم انزجار الكفار عما نهوا عنه وهما الغضب والانتقام .

 

قال الدكتور ص33 : وقدرة الله عامة شاملة لكل الممكنات .اهـ

 

وهذه العبارة فيها من التلبيس مالله به عليم , ولا يفهمها إلا من خبر مذهب القوم , فإن معناها : أن الله غير قادر على ذاته صفاته , (ففيها نفي لكل الصفات الفعلية) .

 

فقال الدكتور ص34 : فالإرادة كالقدرة لا تتعلق بالواجب ولا بالمستحيل .اهـ

 

توضيح : الممكن هو المخلوقات , والواجب : ذات الله وصفاته ,المستحيل : ( ما يقابل الممكن ) 

 

أي : لاتتعلق قدرة الله تعالى بالذات ولا بالصفات ولا بالمستحيلات 

ويرد عليه قدرة الله على معجزات ( آيات) الأنبياء وهي من المستحيلات في عقول بني آدم والنص ناطق بأن الله على كل شيء قدير وأما المستحيل لذاته أو الممتنع فليس بشيء حتى يدخل في الخطاب كقولهم ( هل يقدر الله أن يخلق بحراً من الماء بلا ماء )! أو (هل يقدر الله على خلق رب ثاني) !

 

وقول الدكتور 5- صفة الوحدانية : ومعناها أن الله تعالى ليس له ثان , ولا شريك له , وليس مركبا مؤلفا كالأجسام .

 

أقول : نفي الأشاعرة للتركيب يتوصلون به لنفي الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدمين وغيرها , ويزعمون أن إثباتها يلزم منه أن الله سبحانه محتاج لغيره !!!  

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الأصفهانية ص64 : فبهذه الحجة نفوا الصفات , وكانوا من أشد الناس تجهما , لأنهم زعموا أن إثبات الصفات ينافي التوحيد .اهـ

أما أهل السنة فمتفقون بأن صفات الله سبحانه وتعالى من ذاته ليست بخارجة عنها حتى يقال أن صفات الله غير الله أو أنه محتاج إلى غيره .

 

14- قال الدكتور ص48 : النصوص الموهمة لثبوت العلل والأغراض :

1- في استعمال لام التعليل في قوله تعالى :"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" , وقوله تعالى :"وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا" .

والجواب : أنها ليست على ظاهرها الذي نتصوره من التعليل الحقيقي , فاللام في مثل هذه الآيات إنما هي تعبير عن العلة الجعلية لا عن العلة الحقيقية , أي : تعلقت إرادة الله تعالى بإيجاد الإنسان , وبتكليفه بمستلزمات العبودية له , كما تعلقت إرادته بإنزال المطر وبإنبات الأرض (وبأن يكون الأول علة للثاني برابط من محض المشيئة) .اهـ

 

قلت : (حقيقة) كلام الدكتور هداه الله أن الله سبحانه يفعل لا لحكمة , إنما يفعل لمحض المشيئة . 

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الأصبهانية ص409 : ذهب الجهم بن صفوان ومن وافقه من متكلمة الصفاتية إلى أنه لا يفعل شيئا لحكمة ؛ فلا يخلق لحكمة , ولا يأمر لحكمة , ولا يفعل شيئا لشيء أصلا , وليس عندهم في القرآن العزيز (لام كي) لا في خلقه ولا في أمره .اهـ

 

قال الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله كما في مجموع رسائله (5/57) : أنه من المتقرر عند الكفار عبدة الأوثان منكري البعث أن الله سبحانه حكيم يضع الأشياء في مواضعها , والأشعرية يزعمون أنه لا يفعل شيئا لشيء .اهـ

 

وقرر الدكتور ص47 أن قول : الله أنزل المطر لينبت الزرع , وجعل المطر علة للإنبات كفر محض . ولكن الله أنزل المطر لا لشيء والإنبات حصل بعده لا به .

 

والصحيح أن ما وصفه الدكتور بالكفر هو الحق وهذا فعل أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله فيتبعون الحق ويرحمون الخلق .

 

وبيان ذلك أن الله سبحانه جعل الماء علة وسببا للإنبات وهو سبحانه قادر على إخراج النبات بلا ماء , وجعل تناول الطعام سببا لحصول الشبع وهو قادر على خلق الشبع في عبده بلا طعام , وقادر على أن يخلق الجنين في بطن أمه بلا جماع , لكنه سبحانه جعل للغايات أسبابا توصل إليها , وهذا لا ينافي قدرته التامة . 

 

وقال الدكتور ص32 : والمخلوقات ليس لها تأثير إلا قيام الفعل بها نتيجة لاكتسابها له , ويجب أن نعتقد أن الأفعال كلها لله تعالى .

 

أقول : ومعنى هذا أن العباد لا فعل لهم حقيقة , وإنما تضاف لهم الأفعال على وجه المجاز , فالنوم والقيام والصلاة والصيام والقتل والزنى والسرقة هي أفعالٌ لله !!

 

وقد يعبرون عن هذا بالكسب –ومعنى الكسب : هو أن العبد محل لفعل الرب-, أو يقولون : الجبر المتوسط .

 

وقد خالفوا الشرع والعقل ؛ فإنه من المعلوم أن من فعل فعلا فإنه يوصف به , فمن صام يقال عنه صائم , ومن قتل يقال عنه قاتل , ومن زنى يقال عنه زاني , ولا يجوز أن يوصف الله بالصائم أو القاتل أو الزاني –والأشاعرة تناقضوا فجعلوا أفعال العباد هي أفعال الله حقيقة لكن لا يوصف الله بها- .

 

واتفق أهل السنة على أن العبد يمدح ويذم يعاقب ويجازى على الأفعال التي صدرت منه , فإن عمل خيرا جوزي عليه , وإن عمل شرا عوقب عليه .

 

ونفي الحكمة والقول بالكسب عند الأشاعرة هو قول جهم في القدر بعينه لكن نازع الأشاعرة في ذلك منازعات لفظية , قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى (16/308) : فَأَمَّا ابْنُ كِلَابٍ فَقَوْلُهُ مَشُوبٌ بِقَوْلِ الْجَهْمِيَّة وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَوْلِ الْجَهْمِيَّة وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ فِي الصِّفَاتِ. وَأَمَّا فِي الْقَدَرِ وَالْإِيمَانِ فَقَوْلُهُ قَوْلُ جَهْمٍ .اهـ



قال ابن القيم في شفاء العليل (1/132) : وقد وقع إطلاق الأثر والتأثير! على فعل العبد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} قال ابن عباس: "ما أثروا من خير أو شر فسمى ذلك آثارا لحصوله بتأثيرهم" ومن العجب أن المتكلمين يمتنعون من إطلاق التأثير والمؤثر على من أطلق عليه في القرآن والسنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبني سلمة: "دياركم تكتب آثاركم" أي الزموا دياركم ويخصونه بمن لم يقع إطلاقه عليه في كتاب ولا سنة وإن استعمل في حقه الإيثار والاستئثار كما قال أخو يوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} .اهـ

 

وهنا أكون قد انتهيت من إبطال ما سطرته يدا الدكتور الأيوب هداه الله من مخالفات عقدية في مذكرته, وكنت قد أعرضت عن بعض  ما نفثه بين أسطرها إذ أن غالبه متمخض من الأصول التي نقضتها , فلله الحمد على منِّهِ وتوفيقه .

 

وليعلم أن مذكرة الدكتور لا تعدو كونها حلقة من سلسلة  الهجمات الشرسة التي تعاني منها عقيدة أهل السنة والجماعة ,فليحذر طالب النجاة من كتب من هذه حالهم فإن فيها من التشكيك، والإيهام، ومخالفة نصوص الكتاب والسنة ما أخرج كثيرا من الناس عن الصراط المستقيم، نعوذ بالله من الخذلان

 

فمن رام النجاة من هؤلاء والسلامة من الأهواء فليكن ميزانه الكتاب والأثر في كل ما يسمع ويرى .

وصل اللهم على سيدنا محمد