السبت، 26 سبتمبر 2015

مقال: تجهم الأشاعرة في مسائل الإيمان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ,,

 

أما بعد 

 

قال تعالى "فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون, وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم"

 

قال العماد ابن كثير رحمه الله : وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد .(1)

 

و قال النبي صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من شعب الإيمان" .

 

جمع هذا الحديث بين أركان الإيمان الثلاثة : فدليل النطق باللسان : "قول: لا إله إلا الله " , ودليل عمل الجوارح :"إماطة الأذى عن الطريق" , ودليل عمل القلب : "والحياء شعبة من شعب الإيمان" .

 

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: فأشار إلى أن خصال الإيمان منها ما هو قول باللسان ومنها ما هو عمل بالجوارح ومنها ما هو قائم بالقلب ولم يزد في شيء من هذه الروايات على هذه الخصال اهـ (2)

 

قال الإمام الآجري رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين : أن الإيمان واجب على جميع الخلق , وهو تصديق القلب , وإقرار باللسان وعمل بالجوارح .(3)

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله : ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل , قول القلب واللسان , وعمل القلب واللسان والجوارح , وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . (العقيدة الواسطية )

 

وخالف الجهميةُ أهلَ السنةِ في مسائل الإيمان بأن حصروا صحة الإيمان من عدمها بالمعرفة في القلب فقط , فمن عرف الله فهو المؤمن , وإن لم يعمل ولم يتكلم , بل حتى لو أظهر الكفر , والكفر عندهم هو الجهل بالرب سبحانه فقط (فمن دلَّ الشرع على كفره إنما دل على عدم علم قلبه بالله) .

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله حاكيا قولهم : وزعم جهم ومن وافقه أنه يكون مؤمناً في الباطن وأن مجرد معرفة القلبوتصديقه يكون إيماناً يوجب الثواب يوم القيامة بلا قول ولا عمل ظاهر.. . (5)

 

ولازم قول الجهمية أن "إيمان إبليس وإيمان أبي بكر واحد , قال أبو بكر : يارب , وقال إبليس : يارب" . 

 

فكلاهما عرف الله في قلبه .

 

وإيمان علماء بني إسرائيل , قال تعالى عنهم :"يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" أي يعرفون الرسول .

وإيمان قوم فرعون , قال تعالى عنهم :"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم"

 

 

لكن الإيمان الحقيقي هو الإيمان الذي يستلزم المحبة والطاعة, وهو الذي إذا وقر في القلب ظهر أثره على الجوارح , وهذا هو الفارق بين إبليس وأبي بكر الصديق رضي الله عنه . 

 

وعند السلف (صاحب هذه المقالة – الإيمان هو المعرفة في القلب - كافر) .

 

قال الخلال في السنة :

974 - أَخْبَرَنِي حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ، قَالَ: الرَّجُلُ يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا؟ قَالَ: «هُوَ كَافِرٌ حَقًّا»

 

1290 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ عَالِمٌ، فَهُوَ جَاهِلٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَهُوَ فِي النَّارِ " *

 

قال  حرب بن إسماعيل  رحمه الله : حدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق الجزري , قال : سمعت وكيعا , قال : كانت المرجئة تقول : الإيمان قول .

فجاءت الجهمية , فقالت : الإيمان معرفة 

قال عبدالله : وحدثني إسحاق بن حكيم أن وكيعا قال : وهذا عندنا كفر .

 

قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله حاكيا مذهب الجهمية : قالوا : الإيمان معرفة بالقلوب بالله وحده , وإن لم يكن هناك قول ولا عمل , وهذا منسلخ عندنا من قول أهل الملة الحنفية . (6)

 

وقد وافق الأشاعرة الجهمية في مسائل الإيمان : 

 

قال الباقلاني في الإنصاف ص33 : وأن يعلم أن الإيمان بالله عزَّ و وجل هوالتصديق بالقلب".. 

وقال صاحب الجوهرة ص67
وفسر الإيمان بالتصديق............... والنطق فيه الخلف بالتحقيق

 

قال الجويني الإرشاد ص397 : والمرضي عندنا أن حقيقة الإيمان التصديق بالله تعالى , فالمؤمن بالله من صدقه , ثم التصديق على التحقيق كلام النفس , ولكن لايثبت إلا مع العلم .

 

قال أبو نصر السجزي رحمه الله : :" ويقولون -يعني الأشاعرة-: الإِيمان: التصديق، وعلى أصلهم أن من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو مؤمن، (لأمرين):

أحدهما: أن أصل الإيمان عندهم المعرفة كما قال جهم.

الثاني: أن الكلام معنى في النفس فهو إذا صدق بقلبه فقد تكلم على أصلهم به".(7)

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وعند الجهمية الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه هذا قول جهم والصالحي والأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه .(8)

 

وقال : وأبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان ،مع أنه نصر المشهور عن أهل السنة أنه : يستثني في الإيمان … وهو دائماً ينصر – في المسائل التي فيها النـزاع بين أهل الحديث وغيرهم – قول أهل الحديث ، لكنهُ لم يكن خبيراً بمآخذهم ، فينصره على مايراه هو من الأصول التي تلقَّاها عن غيرهم ، فيقع في ذلك من التناقض ما ينكره هؤلاء وهؤلاء ، كما فعل في مسألة الإيمان نصرَ فيها قول جهم مع نصره للاستثناء(9) ولهذا خالفهُ كثير من أصحابه في الاستثناء واتَّبعه أكثر أصحابه على نصر قول جهم في ذلك ، ومن لم يقف إلا على كُتُب الكلام ولم يعرف ما قاله السلف وأئمة السنة في هذا الباب ، فيظن أن ما ذكروه هو قول أهل السنة وهو قول لم يقله أحد من أئمة السنة ، بل قد كفر أحمد بن حنبل ووكيع وغيرهما من قال بقول جهم في الإيمان الذي نصره الأشعري وهو عندهم شَرٌّ من قول المرجئة .. .(9)

قال الشيخ عبدالله أبا بطين رحمه الله : مذهب الأشاعرة أن الإيمان مجرد التصديق ولا يدخلون فيه أعمال الجوارح .. وقد كفر جماعة من العلماء من أخرج العمل عن الإيمان .(10)

 

ومما سبق يتبين أن خطورة مخالفة الأشاعرة لأهل السنة لا تنحصر فقط في الأسماء والصفات كما هو شائع عند بعض طلاب العلم ! بل أيضا في الإيمان وغيرها من المسائل التي سأذكرها فيما بعد إن شاء الله- .

 

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد .



(1) تفسير ابن كثير (4/239)

(2) شرح صحيح البخاري (1/35)

(3) الشريعة ص120 .

(4) مختصر فتاوى شيخ الإسلام ص133 .بتصرف

(5) مجموع الفتاوى (14/ 121) .

(6) الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام ص46.

(7) الرد على منكر الحرف والصوت ص178 .

(8) منهاج السنة 5/287 .

(9) وافقوا أهل السنة في الاستثناء في الإيمان ولكن لهم مآخذ أخرى فيها أظر مجموع الفتاوى (7\509-510)

(10) مجموع الفتاوى لابن تيمية (7 / 120 – 121)

(11) الدرر السنية ج1 ص364 .

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق