أكثر الناس قد جهلوا سبب خلق الله لهم من توحيده وإفراده في العبادة واتبعوا ما رسمه لهم إبليس من سبل الشرك والغواية فلقد "صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين" , وهذه حادثتين يرويهما المؤرخ عبدالرحمن بن حسن الجبرتي تظهر جليا ما بلغ الإسلام من غربة وما تفشّى بين كثير من منتسبيه من الشرك الصريح والمحادة لله ورسوله , قال الجبرتي في عجائب الآثار (1/108) :
من الحوادث الغريبة في أيامه أيضاً أن في يوم الأربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 أشيع في الناس بمصر بأن القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة ، وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والأرياف ، وودع الناس بعضهم بعضاً ويقول الإنسان لرفيقه : بقي من عمرنا يومان ، وخرج الكثير من الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض : دعونا نعمل حظاً ونودع الدنيا قبل أن تقوم القيامة . وطلع أهل الجيزة نساء ورجالاً وصاروا يغتسلون في البحر . ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ، ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي ، واعتقدوا ذلك ، ووقع صدقه في نفوسهم . ومن قال لهم خلاف ذلك أو قال : هذا كذب , لا يلتفتون لقوله ويقولون : هذا صحيح وقال فلان اليهودي فلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه. وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا، وفلان ذهب إلى الأمير الفلاني وأخبره بذلك وقال له أحبسني إلى يوم الجمعة، وأن لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج إلى يوم الجمعة المعين المذكور. فلم يقع شيء. ومضى يوم الجمعة وأصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال أن سيدي أحمد البدويوالدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم. فيقول الآخر: اللهم أنفعنا بهم فأننا يا أخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل حظاً , ونحو ذلك من الهذيانات .اهـ
وقال ( : وفي أواخر شوال ورد آغا من الدولة وعلى يده مرسومات، منها محاسبة خليل باشا واستعجال الخزينة وبيع بلاد من قتل في أيام الفتنة وكذلك أملاكهم . وفي شهر رمضان قبل ذلك جلس بجامع المؤيد ، فكثر عليه الجمع وأزدحم المسجد وأكثرهم أتراك، ثم أنتقل من الوعظ وذكر ما يفعله أهل مصر بضرايح الأولياء وإيقاد الشموع والقناديل على قبور الأولياء وتقبيل أعتابهم ، وفعل ذلك كفر يجب على الناس تركه ، وعلى ولاة الأمور السعي في أبطال ذلك . وذكر أيضاً قول الشعراني في طبقاته أن بعض الأولياء أطلع على اللوح المحفوظ أنه لا يجوز ذلك ولا تطلع الأنبياء فضلاً عن الأولياء على اللوح المحفوظ ، وأنه لا يجوز ذلك ولا تطلع الأنبياء فضلاً عن والتكايا، ويجب هدم ذلك . وذكر أيضا وقوف الفقراء بباب زويلة في ليالي رمضان. فلما سمع حزبه ذلك خرجوا بعد صلاة التروايح ووقفوا بالنبابيت والأسلحة، فهرب الذين يقفون بالباب ، فقطعوا الجوخ والأكر المعلقة وهم يقولون : أين الأولياء . فذهب بعض الناس إلى ( العلماء بالأزهر ) وأخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى وأجاب عليها الشيخ أحمد النفراوي والشيخ أحمد الخليفي بأن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت ، وأن إنكاره على اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ، ويجب على الحاكم زجره !!.اهـ
فتأمل أخي القارئ حال هؤلاء المذكورين في القصتين السالفتيالذكر ثم تأمل حال مشركي قريش خلال عهد النبوة لتخلص حينها وقوع ما أخبر به من لا ينطق عن الهــوى صلى الله عليه وسلم حين قال : بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ .
هذه الحلقة الأولى من سلسلة (غربة التوحيد) أكتبها بيانا لما وقع فيه كثير ممن ينتسب إلى الإسلام اليوم ولا يعرفون من الإسلام إلا اسمه والله الموفق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق