الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد
فإن من أسباب رواج المذهب الأشعري هو اعتماد رؤوسه على التمويه والاستقفاء في تقرير مسائل أصول دينهم ,
حتى قال الإمام السجزي رحمه الله : والمعتزلة مع سوء مذهبهم أقل ضررا على عوام أهل السنة من هؤلاء – أي الأشاعرة – لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف ولم تموه .اهـ
ومن العبارات الموهمة التي يستعملها الأشاعرة في التمويه عن سوء معتقدهم
قولهم : الله على ما يشاء قدير
وهذه المقالة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبله التعطيل والإلحاد
والصحيح أن يقال : إن الله على كل شيء قدير
كما ورد في النصوص
ولبيان سوء هذه العبارة يقال :
1- يعتقد الأشاعرة أن الله تعالى لا تقوم به الأفعال فلا يضحك ولا يغضب ولا ينزل ولا يصعد .. إلخ صفات الأفعال .
2- وحتى في الصفات التي ( يزعمون إثباتها ) كالبصر والسمع والإرادة أنها قديمة أزلية وليست موجودة الآن فيبصر الكائنات ببصره القديم , ويسمع الأصوات بسمعه القديم , ويريد الأشياء بإرادته القديمة (1). وليس له بصر ولا سمع ولا إرادة حاصلة في وقت وجود متعلقها .
3- بنى الأشاعرة هذه العقيدة التافهة على ينبوع البدع الذي ورثوه من جهم ويسمونه : منع حلول الحوادث .
4- وملخص هذه البدعة : أن كل شيء قامت به الحوادث (الأفعال) فهو مخلوق , فقالوا إذا لو قلنا أن الله يفعل إذا أثبتنا له فعل يقوم به , وبهذا يكون مخلوقا !! .
ونفوا بهذا الشيء قيام الأفعال في ذات الله سبحانه وتعالى
ولما انتهوا من تقرير هذا , قالوا :
5- مشيئة الله تتعلق فقط بالممكنات (المخلوقات) , ولا تتعلق بالواجبات (أي : ذاته ؛ لأن ذاته لا يقوم فيها فعل كما يزعمون)
قال ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (8/18) : وقيل بل الرب تعالى لايقدر إلا على المخلوق المنفصل , لا يقوم به فعل يقدر عليه ... وهذا قول الأشعري .اهـ
وجاء في الدرر السنية (3/230) : كتب بعض تلامذة الشيخ: عبد الرحمن بن حسن له كتابا، وقال في آخره: إنه على ما يشاء قدير،
فقال الشيخ عبد الرحمن: هذه كلمة اشتهرت على الألسن من غير قصد، وهو قول الكثير، إذا سأل الله شيئا , قال : وهو القادر على ما يشاء، وهذه الكلمة يقصد بها أهل البدع شراً، وكل ما في القرآن: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة المائدة آية: 120] وليس في القرآن والسنة، ما يخالف ذلك أصلا، لأن القدرة شاملة كاملة، وهي والعلم: صفتان شاملتان، يتعلقان بالموجودات والمعدومات; وإنما قصد أهل البدع بقولهم: وهو القادر على ما يشاء، أي: القدرة لا تتعلق إلا بما تعلقت المشيئة به .اهـ
فتأمل خطورة هذه المقالة وشناعتها
قال ابن تيمية رحمه الله (8/23) : و المثبتون لذلك (2) يقولون هذا هو الكمال كما قال السلف لم يزل الله متكلماً إذا شاء , كما قال ذلك ابن المبارك وأحمد بن حنبل غيرهما وذكر البخاري عن نعيم بن حماد أنه قال : الحي هو الفعال و ما ليس بفعال فليس بحي .اهـ
ومما سبق تبيّن لنا أن : الله جل في علاه عند الأشاعرة ليس بفعّال !!
والحمد لله فقد كذّبهم سبحانه وتعالى من قبل ُفقال عن نفسه { فَعّالٌ لِما يُريدُ }
وأما ما ورد في الشرع مما يتوهم منه بعض من لم يعِ الكلام جواز استعمال هذه العبارة
فقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/323) : فإن قال قائل: عبارة ترد كثيراً عند الناس (إنه على ما يشاء قدير) هل هذا جائز؟.
(( قلنا: لا يجوز إلا مقيداً ))؛ لأنك إذا قلت: «إنه على ما يشاء قدير» أوهم أن ما لا يشاء لا يقدر عليه، وهو قادر على الذي يشاء والذي لا يشاء.
لكن إذا قُيِّدَتِ المشيئة بشيء معين صح، كقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: 29] ، أي: إذا يشاء جمعهم فهو قادر عليه.
وكذلك في قصة الرجل الذي أدخله الله الجنة آخر ما كان فقال الله له: «إني على ما أشاء قادر» (1) ؛ لأنه يتعلق بفعل معين .اهـ
هذا وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد.
___________________________
(1) قال الشيخ محمد خليل هراس في شرح العقيدة الواسطية 131 : والأشاعرة يثبتون إرادة واحدة قديمة تعلّقت في الأزل بكل المرادات , (فيلزمهم تخلّف المراد عن الإرادة) .
(2) أي لأفعال الله .
__________________________
أتممته ولله الحمد يوم الخميس
١٢ شعبان 1437هـ عصراً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق