السبت، 17 سبتمبر 2016

كشف تلبيسات الأشعرية ( الحلقة الثانية )



العلة ... والحكمة ! (الحلقة الثانية)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله على آله وصحبه ومن اتبع هداه 

أما بعد

أخي القارئ ..

ناقشنا في الحلقة السابقة غلط قول الأشعرية بامتناع الظلم عن الله سبحانه امتناعاً ذاتياً – بمعنى أن الله غير قادر عليه – وأخبرنا أنه لولا أنه قادر عليه لما مدح نفسه بتركه له،

إذ لا يمدح الشخص (1) نفسه على ترك شيء إلا أنه يكون قادراً عليه 

وفي هذه الحلقة سنناقش مؤلف كتاب السيف الصقيل ومحققه  بنفي الأشعرية (لحقيقة) صفة الحكمة عن الله عز وجلّ .. ثم نعرج بعدها على سوءة غليظة من سوءاتهم التي ستملأ قلبك حيرة من جرأة تلك العقول وخفتها أو سخافتها

فــــ :

ربي يسر وأعن برحمتك يا كريم

قال السبكي ص31 : فصل قال (أي ابن القيم) : 
وكذاك قالوا ماله من حكمة ... هي غاية للأمر والإتقان


قلت (نواف) ؛ أي أن الأشعرية ينفون صفة الحكمة 


فقال السبكي : انظر إلى هذه الجرأة والكذب على العلماء .. إلخ


قلت : معنى الحكمة عند أهل السنة (أنها الغايات المحمودة المطلوبة له سبحانه بخلقه وأمره التي أمر لأجلها وقدر وخلق لأجلها وهي صفته القائمة به كسائر صفاته : من سمعه وبصره وقدرته وإرادته وعلمه وحياته وكلامه ) (2)


والأشعرية لا يصرحون بنفي صفة الحكمة عن الله فإن التمويه ديدن القوم ! , بل يعمدون إلى حقيقتها ويسمونها بغير اسمها ثم ينفونها , فسموا الحكمة : عللاً وأغراضاً , 

ثم قال : الإيجي (الأشعري) في المواقف ص202 : في أن أفعاله تعالى ليست معللة بالأغراض , إليه ذهبت الأشاعرة , وقالوا : لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائية .اهـ

ونفيهم للحكمة بهذه الطريقة معناه أن الله تعالى لم يفعل شيئاً لشيء البتة , بل أفعاله كلها صادرة عن محض الإرادة .. فلم تكن حكمة خلق الثقلين وسببها عبادته "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" , ولم تكن الحكمة من خلق الليل مظلماً لمناسبته للسكون والراحة , ولا حكمة خلق النهار مضيئاً لمناسبته للسعي والعمل "هو الذي جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله" ..!

وهذه العقيدة باعثها أنهم ظنوا أنهم لو أثبتوا الحكم في مخلوقات الله سبحانه للزم ذلك حاجة الله لهذه المخلوقات !

فقال الكوثري في حاشية السيف الصقيل : وأما كون أفعال الله غير معللة بالأغراض فليس من نفي الحكمة في شيء , بل من قبيل التهيب والاحتراز من القول بأن هناك غرضاً يحمل الله سبحانه على الفعل استحصالاً لذلك الغرض الذي لا يحصل إلا بذلك الفعل .. ولما في ذلك من الإستكمال بالغير .اهـ

وقال الرازي كما في محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص296  : أن كل من كان كذلك كان مستكملاً يفعل ذلك الشيء , والمستكمل بغيره ناقص لذاته ..الخ

وليس الأمر كما فهم هذا الكوثري ولا الرازي !

فإن أهل الحق لا يوجبون على الله شيئاً –كما تفعل المعتزلة- بل يعتقدون أن الله سبحانه قادر على خلق النتائج دون وجود أسبابها , ولكنه سبحانه خلق السبب وخلق النتيجة ؛ ثم جعل النتيجة مرتبط وجودها بوجود أسبابها فإذا وجدت الأسباب وجدت النتائج

ومثال ذلك قوله تعالى "وأنزلنا من السماء ماءاً طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيراً " فأخبر سبحانه أنه أنزل ماءً طهوراً من السماء (سبب) و (النتيجة) ليحيي به الأرض الميتة ويسقيه للأنعام والأناسيّ .

وهذا كله دليل على كماله سبحانه،

فهو سبحانه عندما يفعل شيئا لحبه له فهذا من كماله وعندما يترك شيئاً لعدم حبه له يكون تركه كمالاً , وعندما يفعل شيئاً في خلقه هو لا يحبه لا يفعله إلا لأنه جعل نتيجته شيئاً يحبه ،

وهذا أمر بسيط واضح لكنه خفي على من لم يتجاوز فهمه فهم السائمة من الأنعام كالكوثري والرازي 

وقد تخلل الجويني (الأشعري) أيضاً بلسانه متحدثاً عن صفة الحكمة فقال : معنى قولنا : إنه حكيم في أفعاله أنه مصيب في ذلك ومحكم لها , لأنه مالك الأعيان فيتصرف تصرف مالك الأعيان في ملكه من غير اعتراض , وقد يراد بالحكمة : العلم بالمعنى بكونه حكيماً في فعله أنه خلقه على الوجه الذي أراده وعلِمه وحكم به !! .اهـ(3)

وهذه الخزعبلات التي تفوه بها الجويني لا يفهم منها أبداً اتصاف الله سبحانه بحكمة حقيقية البتة 

فسحق ابن تيمية هذا الكلام وصاحبه قائلاً : ففسروا حكمته بمعنى أنه يفعل ما يشاء بلا ذم , أو بمعنى أنه عالم , ولا ريب أن هذا خلاف ما عليه الناس في معنى الحكمة والحكيم فإنهم لا يجعلون الحكمة كون الحكيم له أن يفعل ما يشاء وإن كان الله تعالى له أن يفعل ما يشاء (( لكن الحكمة فعله بعض الأشياء دون بعض لاشتمال المفعول على ما يصلح أن يكون مراداً للحكيم )).اهـ

ثم بالغت الأشعرية في الغباء فبنوا على هذا الرأي رأياً آخراً أوغل منه بالسخافة

فقالوا : إن اقتران الأشياء ببعض الأمور يستدعي الظن بأن هذه الأشياء مقرونة بتلك الأمور بشكل مطلق دائم (4) .

بمعنى أنه هذه الأمور التي اعتدنا رؤيتها كالاحتراق الذي يحصل بالنار والتشافي الذي يحصل بالدواء والشبع الذي يحصل بالطعام اقتران هذه الأسباب بنتائجها عند الأشعرية ليس اقتراناً مطلقاً فليس في هذه المقدمات قوى مودعة من قبل الله

فعند إلقاء خشبة في النار فإن الحرق الذي يحصل في الخشبة خلقه الله في هذه اللحظة دون أن تكون النار سبباً فيه , وليس للنار قوى حقيقية أودعها الله بها تجعلها تسبب الإحراق !!.

وأيضا لو أمررنا سكيناً على تفاحة فإن القطع الحاصل في التفاحة ليس للسكين دخل فيه وليس في السكين قوى أودعها الله بها تجعلها تسبب القطع في الأشياء التي تمرر فيها !!.

فليس في الأشياء قوى أودعها الله بها وهذه الأشياء التي نراها إنما هي أمر اعتدناه وألفناه 

ثم اختلفوا في تكفير أو تبديع من اعتقد أن الله أودع في الأشياء قوى وجعلها أسباباً لما يتحصل منها 

فقال الدردير في خريدته :

ومن يقل بالطبع أو بالعلة ... فذاك كفر عند أهل الملة
ومن يقــل بالقـــوة المودعـــة ... فذاك بدعي فلا تلتفتِ

وقال البيجوري : فمن اعتقد أن الأسباب العادية كالنار والسكين والأكل والشرب تؤثر في مسبباتها كالحرق والقطع والشبع والري بطبعها فهو كافر بالإجماع (5)
ثم قال : أو لقوة خلقها الله فيها ففي كفره قولان , والأصح أنه ليس بكافر بل فاسق مبتدع .اهـ 

فقل لي بربك هل مثل هذه البدعة –بل الأضحوكة- يحق لقائلها أن يكفر أو يبدع ؟!

وهذه السخافة يكفي في نقضها عرضها دون تعقبها (هكذا ظننت) حتى رأيت بعض نفوس ذوي النقص قد أسرعت في تلقفها .

وهكذا حب الإغراب قاصم !

قال ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (8/137) : قَالَ بَعْضُ  الْفُضَلَاءِ : تَكَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ النَّاسِ  فِي إبْطَالِ الْأَسْبَابِ وَالْقُوَى وَالطَّبَائِعِ فَأَضْحَكُوا الْعُقَلَاءَ عَلَى عُقُولِهِمْ . ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ شَبِعَ بِالْخُبْزِ وَرُوِيَ  بِالْمَاءِ بَلْ يَقُولُ  شَبِعْت عِنْدَهُ وَرُوِيت عِنْدَهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ  وَنَحْوَ ذَلِكَ  مِنْ الْحَوَادِثِ عِنْدَ هَذِهِ الْمُقْتَرِنَاتِ بِهَا عَادَةً ؛ لَا بِهَا . وَهَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ  بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ } وَقَالَ تَعَالَى { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } ..إلخ

ثم إني سائل الفدم الوقح أو المجنون الذي خرجت هذه العقيدة الفائلة (6) من سوانح غبائه سؤالين يدرك بهما سقوط عقيدته إن شاء الله إن كان بقي فيه مسكة من عقل 

أما الأول : اختلف أتباعك في تكفير أو تبديع كل من يثبت الأسباب .

أليس كذلك ؟

إذاً

قال محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً ، إِلاَّ أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً ، إِلاَّ الْمَوْتَ ، وَالْهَرَمَ.

وهذا الكلام منه صريح بإثبات قوة الشفاء في الدواء , أي أنه يثبت الأسباب !!

فما الراجح عندكم في صاحب هذا الكلام ؟
أوَ مبتدعٌ هو عندكم أم كافرٌ ؟



والسؤال الثاني : تعتقد الفرقة الأشعرية أن الدليل الوحيد لإثبات نبوة مدعي النبوة هو المعجزة

قال الجويني في الإرشاد : فصل : لا دليل على صدق النبي غير المعجزة .اهـ

بمعنى أن (سبب) إجراء الله للمعجزات على أيدي أنبيائه إثباتا لصدقهم

هذا معناه أن الفرقة الأشعرية تثبت الأسباب !

فيا معاشر الأشاعرة هذه الفرقة الأشعرية تثبت الأسباب فما الراجح فيهم عندكم هل هم مبتدعة أم كفار ؟!

هذا وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) يصح الإخبار عن الله بأنه شخص , والدليل حديث "لا شخص أغير من الله"
(2) مدارج السالكين 
(3) نقله ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/215) وذكر المحقق أنه لم يجده في كتب الجويني المطبوعة .
(4) الغزالي في الاقتصاد ص122
(5) هو قول الطبائعيين الذين يزعمون أن في الطبيعيات قوى مستقلة
(6) التافهة
* عامة النقولات عن الأشاعرة اقتبستها من بحوث من مواقعهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتممته ولله الحمد يوم السبت 
15 ذي الحجة 1437
17/9/2016

بين أذان صلاة الفجر وإقامتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق