الحلقة الثالثة ( الأشاعرة الجبرية )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد
قال السبكي (1) :
فصل في تخيل الناظم في أفعال العباد ..إلخ
قال –أي ابن القيم- : والعبد عندهم ليس بفاعل ... بل فعله كتحرك(2) الأجفان
قال السبكي : كذب هذا الجاهل في قوله : إن العبد عندهم ليس بفاعل . ولكن مراده بذلك قولهم : إنه لا يخلق فعله . وليس بخالق والله سبحانه هو خالق أفعال العباد , فاعتقد هذا الجاهل بسبب ذلك أنهم يقولون إنه ليس بفاعل , وكون العبد ليس بخالق حق , وكونه ليس بباطل , والفاعل من قام به الفعل والفعل قائم بذات العبد , والخالق من أوجد الفعل ولا يوجده إلا الله , وقوله : كتحرك الرجفان . جهل منه فإنه لم يفرق بين الجبر ومذهب الأشعري .اهـ
قلت : هنا يرد السبكي وصف ابن القيم لطائفته الأشعرية بأنهم جبرية ويصفه بالجهل والكذب , وسأبيّن في هذه الوريقات غلط السبكي بزعمه أن الأشاعرة يعتقدون أن العبد فاعل حقيقة وأنهم ليسوا بجبرية .
فــــــــــــــــــــــــ
ربي يسر وأعن برحمتك يا كريم
ومما ينبغي أن يُعلم أولا أن (مذهب سلف الأمة مع قولهم الله خالق كل شيء و ربه و مليكه و أنه ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن , وأنه على كل شيء قدير , وأنه هو الذي خلق العبد هلوعا إذا مسه الشر جزوعا و إذا مسه الخير منوعا ونحو ذلك , أن العبد فاعل حقيقة وله مشيئة و قدرة قال تعالى : "لمن شاء منكم أن يستقيم و ما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين" وقال تعالى : "إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا و ما تشاءون إلا أن يشاء الله" , وقال تعالى : "كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره و ما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى و أهل المغفرة" ) .(3)
وقد حذا الجهمية الإناث (الأشاعرة) في باب القدر حذو ذكورهم (الجهمية الخُلَّص) القذة بالقذة إلا أن الإناث موهوا وصرّح الذكور .
موهوا جبريتهم بألفاظ ينفقونها بها بين الجهال والأغمار والحمقى
فقال الذكور : العبد مجبور على أفعاله .
بينما قال الإناث : ليس للعبد فعل , أو : الله هو الفاعل حقيقة , أو : فعل العبد كسب له .
وليس بين الإناث والذكور إلا نزاع لفظي
قال ابن تيمية : وجهم بن صفوا وأتباعه هم أعظم نفيا منهم فإنهم ينفون الأسماء مع الصفات , وهم رؤوس المجبرة , والأشعرية وافقتهم في الجبر لكن نازعوهم (نزاعا لفظيا) في إثبات الكسب والقدرة عليه .اهـ (4)
وقال : وكثير من المتأخرين من المثبتين للقدر من أهل الكلام -يعني الأشاعرة- ومن وافقهم سلكوا مسلك جهم في كثير من مسائل هذا الباب وإن خالفوه في بعض ذلك إما (نزاعا لفظيا) وإما (نزاعا لا يُعقَل) وإما نزاعا معنويا .اهـ (5)
وقد قال التفتزاني الأشعري : فالإنسان مضطر في صورة مختار .اهـ (6)
قلت : وهذا جبر واضح !
وقال الإيجي : والجبرية متوسطة تثبت للعبد كسبا كالأشعرية , وخالصة : لا تثبته كالجهمية .اهـ (7)
قلت : وكسبهم لا حقيقة له عند التفصيل ولا تأثير ويتبين بما
قاله الألوسي الصوفي الخرافي : ... ولا أن لهم قدرة غير مؤثرة أبداً كاليد المشلولة كما هو الشائع من مذهب الأشاعرة إذ هو في المآل كقول الجبرية ( وأي فرق بين قدرة لا أثر لها وبين عدم القدرة بالكلية ) إلا بما هو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .اهـ (8)
وأما الجويني فقد ضاق عطنه أثناء حديثه عن مسألة استطاعة العبد : ومذهب أبي الحسن رحمه الله مختبط عندي في هذه المسألة .اهـ (9)
فهؤلاء كبار القوم قد نسبوا هذه الخزية إلى المذهب الأشعري , فهل نصدقهم أم نصدق من لم يأذن الله لصنوف العلم أن تلج قلبه ؟!
والآن وقد شارفت عقارب الساعة الإشارة إلىى الواحدة – بعد منتصف الليل- وقد كَلَّ المتن تَعِباً , وتَعِسَ الخاطر لكثرة تردده واطلاعه على سوءات القوم أجد نفسي الملولة مضطرة إلى إنهاء المقال ..
ولكن قبل وضع القلم أريد أن أنبه على قضية خطيرة سببها ما نفثه شيوخ هذا المذهب الوَبي في عقائد الناس ..
وهي أن العامي الجاهل أو الفاسق متى ما وقع في نفسه أن الله جبره على أفعاله سوَّلت له نفسه الانخراط في المحرمات وركوب الفواحش .. وحجته "الله كتب عليَّ هذا" أو "الله يريد مني أن أفعل هذا"
وتأمل في مجتمعات القوم ترى حقيقة ما أقول
تنبيه : طالعت في بحث لأحد مريدي القوم فوجدته يجمع الأقوال بحيث يثبت ما أثبته السبكي هنا , وهذا أيضا فعل من لا يعي , فغالب من يأتي بكلامه إن لم يكن مخالفا للقوم أصالة في المسألة أو في فرع من فروعها فإنه عند جمع كلامه وتمحيصه تظهر جبريته .
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السيف الصقيل ص30
تصحفت في المطبوع إلى : كتحرج
مجموع فتاوى ابن تيمية (8/118)
مجموع الفتاوى (13/228)
المصدر السابق (8/466)
شرح المقاصد (4/263)
المواقف ص428
روح المعاني (1/64)
البرهان في أصول الفقه (1/277)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتممته بحمد الله يوم الأحد
٧ صفر 1438 ھ
بعد منتصف الليل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق