الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد:
فقد بينت في الحلقتين السابقتين الإعتماد الكلي عند الأشاعرة في باب الصفات على العقل , وأما الشرع عندهم فليس عليه معوّل , بل بعضهم أطلق في هذا عبارات قبيحة يشعر القارئ منها أن المتكلم عقلاني مغرض لا إسلامي متشرع ،
وذكرت طعونات بعضهم في علم الحديث نصرة لمذهبه الوبي , ورددت عليهم بذكر أربع طبائع في الحديث ونقلته تبهرج خرافاتهم التي نسجوا ،
وفي هذه الحلقة سيكون السجال معهم حول الصفات إن شاء الله تعالى ،
ربّ يسر وأعن برحمتك يا كريم ;
سلك الأشاعرة في إثبات الصفات مسلك العقليات وأعرضوا عن السمعيات –نصوص الكتاب والسنة- إلا استئناساً إن وافقت مذهبهم –فيما يظنون- ورداً وتأويلاً لها إن خالفت مذهبهم فلا قيمة للنصوص عندهم .
قال السمعاني رحمه الله : أهل الأهواء إذا سمعوا شيئاً من الكتاب والسنة عرضوه على معيار عقولهم ؛ فإن استقام قبلوه وإن لم يستقم في ميزان عقولهم ردوه .اهـ(1)
فأثبت الأشاعرة لله تعالى سبع صفات وهي التي يسمونها صفات المعاني وهي : السمع والبصر والكلام والإرادة والحياة والقدرة والعلم , ونفوا بقية الصفات.
واحتجوا على باطلهم أن إثبات بقية الصفات يلزم منه التشبيه بالمخلوقات !!
(تنبيه : يرجع الأشاعرة بقية الصفات إلى صفة الإرادة , فالرحمة ينفون حقيقتها , ويقولون : هي إرادة الإنعام , والغضب : هو إرادة الإنتقام . وهلُمَ جرا !!)
فيقال لهم :
1- إن الكلام في بعض الصفات كالكلام في البعض الآخر يحتذى فيه حذوه , فإن كان إثبات باقي الصفات يلزم منه التشبيه بالمخلوقات , نقول : وكذلك يلزم مما أثبتم التشبيه بالمخلوقات , فإن قلتم : إنما أثبتناها على ما يليق بالله , فنقول : ونحن نثبت كل ما أثبتته نصوص الكتاب والسنة من الصفات على ما يليق بالله سبحانه .
2- فإن قالوا : العقل يقتضي ثبوت الصفات السبع فقط , يقال لهم : إن ما لم تثبته عقولكم قد أثبتته النصوص الشرعية , والإطمئنان إلى النصوص أكثر من الإطمئنان إلى مجرد العقل ؛ والعقل إن لم يثبتها -كما زعمتم- فهو لم ينفها.
3- ثم إننا يمكننا إثبات صفات غير السبع بنظير طريقتكم العقلية التي سلكتموها : فأنتم أثبتم صفة القدرة بدليل عقلي
4- فنقول : إن إنعام الله على أوليائه يدل على صفة الإحسان , وعقاب الله لأعدائه يدل على صفة الإنتقام , ونفع العباد يدل على صفة الرحمة.
إذن العقل يثبت الصفات ولا ينفيها كما ادعت الأشاعرة
5- ثم إن كان العقل فعلاً لا يمكنه إثبات الصفات غير التي أثبتوها فإنه أيضا لا ينفيها ! , فعدم وجود دليل عقلي معين على وجود الصفة لا يقتضي عدم وجود الصفة
(لا يلزم من عدم الدليل المعين عدم المدلول)
6- وجِماعُ الكلام أن يقال : إن الله تعالى وصف نفسه بصفات ووصف مخلوقاته بصفات ؛ فوصف نفسه بالمحبة ووصف عباده بالمحبة فقال :"يحبهم ويحبونه" , وليست محبة الخالق كمحبة المخلوق , ووصف نفسه بالعلم فقال :"إن الله سميع عليم" ووصف عبده بالعلم فقال:"وإنه لذو علم لما علمناه" وليس العلم كالعلم , ووصف نفسه بالاستواء فقال :"الرحمن على العرش استوى" , ووصف عباده بالاستواء فقال :"لتستووا على ظهوره" وليس الاستواء كالاستواء .
7- فأهل السنة والجماعة أصحاب الطريقة السلفية يثبتون ظواهر النصوص وحقيقتها ويفوضون علم كيفيتها إلى الله سبحانه , كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء , قال : الاستواء معلوم , والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .
8- فإن الله سبحانه أخبرنا أنه استوى فنؤمن بذلك , وإذا سئلنا عن الكيفية ؟ , نقول : أخبرنا الله بأنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى .
وهذه القاعدة مطردة في جميع الصفات مثل : الضحك والغضب والرضى واليدين والنزول والمجيء والقدمين .. إلخ
قال شيخ الإسلام رحمه الله : واعلم أنه ليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلاً .اهـ(2)
فالآن أثبتنا أنه بطريقتهم التي أثبتوا بها الصفات السبع يمكننا إثبات كثير من الصفات الأخرى التي ينفونها بزعمهم أنها يلزم منها التشبيه
وفي الحلقات القادمة سنناقش السبكي والكوثري في الصفات التي نفوها ونثبت خطأهم إن شاء الله تعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحجة في بيان المحجة (2/224)
(2) مجموع الفتاوى (5/28)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتممته بحمد الله يوم الإثنين ١٦ / جمادى الآخرة ، بعد منتصف الليل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق